البحث عن المعنى

لم علينا تحمل كل هذه المصاعب لتأسيس حياة كريمة؟ ربما هذا سؤال وجيه يراود أذهان الكثير من الشباب والشابات اليوم. ولدي إجابة قد تكون مفاجئة للبعض: وهي أن كل هذه الصعوبات والضغوطات التي نتعرض لها هي على الأغلب قرار كل واحد منا وإن كان لا يدري.

ولكن، كيف يمكن أن يكون هذا؟ الأمر ببساطة أن هذه المعاناة نتيجة قرارك أن تكسب مالا نظيفاً دون أن تغشى أو تسرق أو تكون سببا في إزهاق أو تدمير حياة أحد. وهي نتيجة قرارك ألا تنسى أهلك ومن حولك وقرارك، أن تؤسس أسرتك على أسس صحيحة. إنك باختصار قد اتخذت هذه القرارات بشكل حاسم ليس لدرجة أنك لن تتراجع عنها فحسب، بل لدرجة أنك نسيت متى قد اتخذت هذه القرارات من الأساس. وعلى عكس ما قد تتصور، فإن اتخاذك لهذه القرارات هو نتيجة قوة وليست نتيجة ضعف وهي القوة التي تميز النفس البشرية عن غيرها. فهل سمعت من قبل عن قطة تفضل الجوع على أن تأكل مما يمكن أن يقدمه لها صاحبها اللص من الطعام الذي يسرقه في كل يوم؟ لم أسمع بذلك من قبل. ولكني أرى هذه القوة في كل فرصة تتاح لي فيها أن أتواصل مع العديد من الدفعات الجديدة من الشباب المتخرج أو المقبل على العمل، على تنوع درجات التحصيل.

لهذا، من المهم أن ندرك أننا أصبحنا في عصر سمته العامة الإخلاد إلى الأرض والركون للظلم والفساد، وهما نمط الحياة الأسهل، الذي يمكن اختصاره باللامبالاة الوجودية. وشعورنا بالمعاناة في ظل هذا الجو هو على العكس مما نتصور، مؤشر على يقظة الإرادة الحرة والأخلاقية فينا. إن هذه اللامبالاة نجدها بين المشاهد والسطور في الدراما السوداء لنيتفلكس والأنيمي أو الدراما العربية والمحلية المبتذلتين. هذه الدراما التي يعيش على إعادة تدوير منتجاتها الكثير من المؤثرين الوهميين على السوشيال ميديا، هدفها نزع مركزية الحقيقة والفضيلة وبالتالي تسميم وعينا وتخدير هذا الحس الأخلاقي فينا واستبداله بهذه اللامبالاة التي خلاصتها المنطقية هو نزع القداسة عن المائدة والسرير، فلا يبالي الضحية بما يصل إلى مائدته وما يفعل على سريره.

فالخلاصة هي أن سبب معاناتك هو أنك قررت ضمناً المحافظة على طهارة مائدتك وسريرك، وكيف لا نتمسك بهذه الطهارة والسرير هو البوابة لقدوم الحياة الجديدة والمائدة هي مصدر ما نتقوى به وهذه الحياة الجديدة. فنحن لا نذهب إلى السرير إلا وفق ما يأذن به الله، ولا نجلس إلى المائدة لنأكل إلا ما أحله الله بالمعنى الشامل للكلمة، وهذا رغم كل العنف والإرهاب المادي والمعنوي الذي يحاول دفعك لتقوم بعكس ذلك تماماً. ورغم أن هذا يبدو كثيرا، وهو بالفعل أمر ليس هينا، لكن تذكر أنه لم يكن لك أن تتخذ قرارا آخر غير هذا القرار، وإذا تأملت فإن طهارة المائدة والسرير هي محطة التقاء الفضائل والرذائل كلها، وما وصلنا إليه اليوم من احتباس حراري وتفكك للأسرة في العديد من المجتمعات، هو الثمرة النهائية لكل من الجشع والشهوة البشرية والتي يمكن لهما أن تدمرا الكوكب والحضارة قبل أن تشبعا. والفضلاء والعقلاء من كل الملل والنحل من أتباع الديانات السماوية وغيرها بدأوا يصلون إلى هذه النتيجة.

ولهذا السبب فتمسكك بهذه الطهارة تمسك بجوهر الحياة الإنسانية القويمة والسليمة، فكل جمال الأرض وورعتها بما فيها من فراش وقرار وموائد مفتوحة لكل المخلوقات ما هي إلا مجرد عينات للتذوق واختبار لاستحقاق الجمال والروعة الأبدية للمائدة والسرير الأبديين الخالدين في الجنة، والتي لن يستحقهما إلا من حافظ على طهارتهما اليوم على هذه الأرض.

ولكن، هل يعني هذا الكلام أنك لن تحصل على المائدة والسرير الطاهرين في هذه الحياة المؤقتة؟ لا يمكنك أن تصل إلى هذه النتيجة عندما تقرأ هذه الآية الكريمة: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق: 2-3]. فالقدر هو أن تكون نهاية طريق الطهارة مخفية بشكل مؤقت لتتمايز معادن البشر، ولعلك تعلم أن أرض الله واسعة، وأنه مهما تعسرت وضاقت ظروفك في المكان والزمان الذي أنت فيه اليوم، فإن هذا الأمر لن يدوم مهما طال. كل ما عليك هو الصبر وبذل ما تستطيع، حتى تصل إلى ما كتبه الله لك، والقناعة والشكر بعد ذلك من خلال استبدال الجشع بحب مساعدة وتمكين الآخرين، ولهذا السبب فحياة المؤمن كلها إما صبر أو شكر وهي بهذا المعنى خير على كل حال، وليس ذلك إلا للمؤمن.

1xbet casino siteleri bahis siteleri