نظرية المؤامرة التي في خاطري

منذ أن بدأت الجائحة وهي مرتبطة بنظرية المؤامرة، وإن اختلفت تفسيرات هذه النظرية؛ فمن الناس مَن اعتبر الكوفيد-19 “فيروسا مصطنعا”، مع اختلاف أيضا في الجهة التي صنعته: هل هي الصين؟ هل هي الولايات المتحدة؟ هل هي إسرائيل؟ هل هي طرف آخر غير هذه الدول؟ أم هو مِن صنع شركات الأدوية بغرض التجارة في اللقاحات لاحقا؟ وفي مستوى آخر، هل هو فيروس نشأ طبيعيا أم أنه تسرب خطأً من مختبر ما وأصبح غير متحكم فيه؟ كل هذه رؤى تم تبنيها من قبل البعض في إطار نظريات المؤامرة المتعلقة بنشأة الفيروس. وأقصد فعلا وصفها بالنظريات وليس نظرية واحدة، لأن الأمر يتعلق بأكثر من نظرية واحدة فعلا.

وما فتئت أن اختفت هذه النظريات بعد ظهور اللقاحات، لينتقل ارتباط المؤامرة بصنع اللقاحات أيضا؛ فمن قائل: إن المقصود منها هو التقليل من عدد الناس والتحكم في النمو الديمغرافي، ومن قائل: إن المقصود منها هو التحكم في الناس واستبلادهم عن طريق زرع جسم ما (الشريحة) في أجسامهم، ومن قائل: إن الغاية هي التحكم في الناس عن طريق التخويف والاستثمار في خوفهم تجاريا ببيع اللقاحات لهم باستمرار، إلى غير ذلك من الأفكار المرتبطة باللقاحات في إطار نظرية المؤامرة.

ومن أجل الانسياق وراء هذه الرؤى، وترك خيالي يسرح بعيداً في هذا السياق، قررتُ أن أخلع عني في هذا المقال جبة الطبيب وقبعته، وأن أفكر بشكل سريالي نوعا ما، بحثاً عن نظرية مؤامرة تليق بي وبتفكيري. بعبارة أخرى، لو كنتُ ممن ينزعون إلى نظريات المؤامرة، ما هي المؤامرة التي يمكن أن أؤمن بها لتفسير جائحة كورونا؟ وأريد مسبقاً أن أؤكد أنني لا أؤمن بأي نظريات للمؤامرة، وأن الأمر كله مجرد تمرين ذهني، يستند إلى بعض المعطيات الحقيقية في الواقع فعلا، لكن مع وضعها في سياق عام، وإعطائها تأويلا خاصا يخدم هذا السياق لتتوجه بنظرية شاملة تصلح لتفسير ما يحدث نظرياً. فالمقصود إذن هو البحث في الكوفيد-19 عن جوانب يمكن أن تشكل بشكل أو بآخر “مؤامرة” على الوجود البشري وطبيعته على هذه البسيطة.
مع أنه من جهة أخرى، لا بد من التأكيد على أنه لا يمكن أن ننكر أن المؤامرات جزء من الوجود البشري، لازمته منذ العهود الغابرة، ولكن الحديث في هذا المقال عن “نظرية المؤامرة”، وهي غير “المؤامرة” كسلوك براغماتي عابر. فالنظرية تقتضي دراسة نظرية محكمة، ومخططا مسبقا، يشتمل على مراحل وإجراءات محددة للتنفيذ، تنخرط فيه وتتواطأ جهات عدة، من أجل ضمان نجاح تنفيذه.

فهذا المقال إذن هو نموذجي الخاص من نظرية المؤامرة، إنه تكوين شخصي لنظرية مؤامرة خاصة بي؛ وقناعتي الراسخة أن نظرية المؤامرة بسبب مرونتها الذاتية، تُمكّن أي شخص أن يختلق نظرية مؤامرة خاصة به، ويطعّـمُها بشيء من الأحداث في الواقع مع تأويلها تأويلا خاصا، من أجل إضفاء بعض المعقولية الذهنية المجردة عليها. وهكذا، وأنا أكتب هذا المقال، فقد نسيت شيئا اسمه “مصدر المعلومة” أو “المراجع المعتمدة”، لذلك كل ما سيأتي في هذا المقال هو من صميم التحليل الممزوج بشيء من الخيال الواسع، لأحداث وقعت فعلا، مع صوغها في إطار نظرية قاصدة وهادفة إلى تحقيق شيء ما، نحن اخترنا أن نصطلح عليها بنظرية المؤامرة.

فلو جاز لي أن أؤمن بنظرية مؤامرة ما، فستكون على الشكل الذي ستقرؤه في هذا المقال عزيزي القارئ.

ولأختصر الأمر اختصاراً، سأقدم خلاصة هذه النظرية ثم أتبع ذلك بالتفاصيل الداعمة لها. والأمر يتلخص في “أن هناك نيةً حقيقيةً للانتقال من طريقة العيش الحالية، التي يكون فيها الحضور الجسدي أساسيا وجوهريا، إلى طريقة عيش جديدة تقوم على التوغل في الافتراض، حياة افتراضية محضة. وذلك لأن الاقتصاد القائم على الحضور الجسدي والتجسد المادي قد استنفذ كل إمكاناته، وصار الأمر مجرد تكرار للعمليات السابقة، فصارت الحاجة إلى ابتداع طرق في الاستثمار جديدة، لا تعترف بالحدود، ولا تؤمن بالجمارك وإدارة الضرائب، سوق مفتوحة للكل أمام الكل، لكنها سوق افتراضية. ويمكن أن نستعير هنا عبارة مارك زوكربيرغ: إنه عالم الميتافيرس، ما بعد العالم”.

وهكذا، فإن هذه الجائحة إذا كان لها من غرض مقصود ومحدد مسبقا في إطار مؤامرة ما، فهو أن يبقى كل الناس محجورا عليهم في منازلهم، بحيث تقيد حرياتهم، وتُفرض عليهم طريقة عيشهم لمدة من الزمن، باستعمال سلطة التخويف من الموت، وتحت لواء ومباركة ديكتاتورية العلم، حتى يتقبلوا فكرة وطريقة في العيش جديدة؛ بحيث ينخرطون إراديا في تبني أسلوب جديد في الحياة، يعتمد على تكنولوجيا جديدة، ستكون هي النمط المستقبلي للتكونولوجيا.

فالبقاء مدة غير يسيرة من الزمن في المنازل عوض الخروج للمنتزهات وللأماكن العامة وللطبيعة أو للعالم الحقيقي باختصار، قد جعل الناس تُنشئ علاقة حميمة بالهاتف، والتي كانت وطيدة أصلا قبل الجائحة، حيث كان الجميع يقضي وقته كله أمام شاشات الهاتف، وأصبح الناس بذلك أكثر تقوقعا على أنفسهم وعلى عوالمهم الذاتية. وهذا ما سيسهل عملية جعل كل الأنشطة الإنسانية تصبح أنشطة افتراضية مجردة وغير متجسدة؛ فالعمل قد أصبح عن بعد، والرياضة كذلك، وهناك أجهزة أعدت للاستعمال المنزلي، ستتيح لك ممارسة الرياضة في منزلك من غير حاجة إلى التنقل إلى صالة الرياضة. وهناك طرق جديدة في الترفيه، تعتمد عوالم افتراضية، بحيث يمكن أن تجعلك تسافر وأنت في منزلك، سفرا افتراضيا بطبيعة الحال.

وهذه هي طبيعة المنتوجات التي ستباع لنا في المستقبل، ولكنّ الانتقال إلى هذا المستوى غير مأمون وغير مضمون، ومن شأنه أن يحدث ردة فعل عنيفة من قبل الناس، لأن الناس تحب طريقة العيش الحالية، وتؤمن بأهمية الروابط الجسدية؛ فبيئة العمل مثلا ليس مجرد بيئة لكسب مورد العيش، بل هي بيئة للتعارف والتبادل في الأفكار والمشاعر والتعاطف ومشاركة المستجدات وغيرها، فلا يتعلق الأمر بمورد العيش فقط، بل بتلبية حاجات إنسانية نفسية كثيرة.

ولتفادي ردة الفعل هذه، كان لا بد من رابط ومن صدمة تجعلنا نتقبل هذا التحول، هذه الصدمة تتمثل في حدث كبير صادم، بإمكانه أن يجعلنا نتقبل حصول هذا الانتقال؛ لأن حصول الانتقال بطريقة طبيعية سيكون بطيئا جدا، وسيحتاج إلى وقت طويل، لا يستطيع المستثمرون الجدد أن يصبروا حتى يمضي كل هذا الوقت، خاصة وأن عمر الإنسان قصير. ولكن بوجود هذه الصدمة، سنُسرّع بشكل كبير من وتيرة التوجه إليه، وسيكون الانتقال أكثر سلاسة وأماناً.

مقالات مرتبطة

وبالعودة إلى زمن ذروة الجائحة، ندرك أن الناس قد فهموا لاواعيا أن التوجه إلى العالم الافتراضي أصبح أمرا واقعا، ولذلك ازداد عدد العمولات الرقمية بشكل مهول في أيام الجائحة، لأن الناس لم تعد تثق في العوالم الحقيقية، فالعملة الورقية الحقيقة تتأثر بالأحداث التي تقع في العالم، بالجوائح، بالحروب، عكس العملات الرقمية التي عرفت صعودا هائلا في ظل الجائحة، كالبيتكوين، الذي عرف ارتفاعا إلى أعلى مستوياته. كما أنه في هذه الفترة انتقل الناس إلى عالم التيكتوك بشكل مهول، وصعد نجومٌ على الويب لا يكادون يقدمون شيئا يذكر، وأصبح إنشاء قناة على تطبيق من التطبيقات يكاد يوازي إنشاء شركة أو مقاولة في الواقع. وهكذا هرع الناس إلى العالم الافتراضي، وأصبح الذين تورطوا في الواقع في مهن ومشاريع حقيقية متجسدة يتساءلون: هل حان أوان التغيير؟ إنه زمن الهجرة إلى الافتراضي!

لقد تغيرت عقليات الناس، وأصبحت مزاولة عملهم عن بعد أمرا طبيعيا وعاديا جدا، مع أن ثقافتنا إلى الأمس القريب تربطُ العملَ بالخروج من المنزل، فإذا لازمت منزلك فأنت لن تشتغل، ولذلك فالمرأة التي تتولى شؤون البيت، وإن كان تقوم بأعمال شاقة، ولو قُوِّم عملها لكان أكثر مشقة من عمل زوجها الذي يذهب للعمل خارج البيت، ولكن مع ذلك يقال عادة: “غا ربة بيت”. فلزوم البيت مرتبط عندنا بالبطالة بشكل أساس؛ ولذلك يقال أيضا تعبيرا عن بطالة شخص ما: ‘غا جالس فدارو مسكين هاد الساعة”.

وهذا الأمر لم يعد؛ فيمكن أن تكون في بيتك وتقوم بعملك في الوقت نفسه، ويمكن أن يظل ابنك في المنزل وهو يدرس. ولا يقتضي الأمر بالضرورة أن تنتقل جسداً لكي تعمل أو تدرس. إن الكثير من الاجتماعات الموازية للعمل أصبحت تتم عن بعد أيضا، وكذا المشاريع الثانوية الموازية للعمل الرئيسي، أو المحاضرات أو الزيارات التي كان الناس يقومون بها، أمور كلها أصبح جزء منها يتم بشكل افتراضي، وأصبح لكل شيء تطبيقه الخاص، فهناك تطبيقات للدردشة، وتطبيقات للتدريس والعمل، وغيرها. ولا داعي لذكر أسماء هذه التطبيقات، وإن كانت معروفة على كل حال.

ما أريد قوله هو أن هناك تغيراً في نمط الحياة يحدث، وأن الناس لم يقاوموه، بل بدؤوا يتقبلونه، ويسرعون إلى الانخراط فيه، ولا يعد مشكلا بالنسبة لهم. ولا شك أن الجائحة سهّلت وسرّعت تقبلهم لهذا الوضع، وذلك حتى تستطيع البشرية أن تنتقل إلى المستوى القادم، الذي سيكون أكثر افتراضية بالتأكيد من الوضع الحالي. طبعا هذا الوضع سيجعل الإنسان أكثر مرونةً في اتخاذ قراراته، لأن الوقت حينها سيكون أكثر حسماً في الأمور، وسيكون اتخاذ القرارات أكثر سهولة، ولذلك سيكون هناك تسرع في هذا الجانب بالتأكيد.

ولتبسيط هذه الفكرة، لنأخذ مثالا على ذلك؛ فقبل وقت من الزمن، كان المبتلون بمشاهدة الأفلام الإباحية كلما قرروا أن يشاهدوها إلا ويأخذ الأمر منهم وقتاً وتفكيرا وإعداداً وجهداً طويلاً، لكي يشاهدوا في النهاية فيلماً رديئا من حيث جودة التصوير ومن حيث احترافية التصوير أيضا. أما الآن فقد أصبحت الأمور تنحو منحى آخر، حيث بإمكان المرء بسهولة مشاهدة فيلم بورنوغرافي بالتصوير ثلاثي الأبعاد، وهو يضع سماعات، وربما قفازات اليد التي تمكن من اللمس، أو الاستعانة بمهبل اصطناعي، وهكذا يمكن أن يعيش تجربة جنسية افتراضية، وكأنها تجربة حقيقية. وبطبيعة الحال، هذا الأمر سيؤدي إلى مشاكل نفسية كبيرة، وإلى إدمان على جنسٍ وهمي، سيؤدي بمدمنه في نهاية المطاف إلى أن يفقد رغبته في الجنس الحقيقي، الذي لن يعني له أي شيء بعد ذلك. وقد يقبل ممارسة الجنس مع كل الأجناس ومع كل الأشياء والكائنات، والأمر أصبح واقعا فعلا في بعض الدول، فاليابانيون اليوم يمارسون الجنس مع المونجا. بمعنى آخر: إن الحياة الجنسية للكائن البشري يمكن أن تتغير وتتبدل رأسا على عقب، وقس على هذا كل جوانب الحياة الأخرى. وحين يكون الإنسان فارغا، بدون أي فكر أو وعي، يمكن أن يمر إلى عوالم أخرى أكثر تطرفا وبسرعة أكبر، ومن الأصعب إرجاعه إلى الوضع الطبيعي بعد ذلك.

وللمفارقة، فرغم أنني أتحدث عن نظرية محبوكة ببعض الخيال، فإنه في لحظة كتابة هذا المقال، هناك ألعاب افتراضية حققت هذا الانتقال فعلا، حيث إنها لم تعد مجرد ألعاب، وإنما أصبحت عملاً مربحاً؛ إذ يلعب بها المرء، وفي الوقت ذاته يربح أموالا وعملات رقمية؛ إن ألعاب الفيديو لم تعد لعبة ترفيهية وفقط، ولم تعد آلية للتسلية وتزجية الوقت، بل أصبحت “بيزنيس” مذر للمال. وأفترض أن هذا الانتقال إلى العالم الافتراضي أسهمت الجائحة فيه بشكل كبير.

وفي لحظة كتابة هذه الأسطر، هناك عملات رقمية يمكن أن تشتري بها عقارات وأراضي افتراضية. مما يعني أنك تشتري شيئا افتراضيا بشيء افتراضي حصلت عليه بشكل افتراضي، والكل افتراضي في النهاية! وقد دخلت كرة القدم، وهي اللعبة الأكثر شعبية في العالم، على خط هذا النمط الجديد من الاستثمار، وذلك بعد توجه العديد من الأندية إلى خلق عملات رقمية خاصة بهم، تباع وتشترى، وهو ما قد يعني أنه يمكن في المستقبل أن يحضر الإنسان المباراة بشكل افتراضي بطريقة ما.

إن هذه العوالم الافتراضية ستكون هي “الملجأ”، بعبارة يوفال هراري في كتابه الإنسان العاقل، بالنسبة للناس الذين لا يصلحون لفعل أي شيء في الحياة الواقعية، ستكون هذه العوالم ملجأ لهؤلاء الناس، الذين يستطيعون أن يخلقوا لأنفسهم شخصيات افتراضية، ملكاً لإمبراطورية أو رائد أعمال، أو غيرها، ويتعرف إلى أناس آخرين هاربين من الواقع مثله. والغريب أنه لكي يحافظ على شخصيته سيحتاج إلى المال، والذي يحصل عليه من العالم الافتراضي أيضا، من خلال ألعاب الفيديو التي أشرت إليها سابقا، أو التداول والتجارة في العملات الرقمية. قد يصعب تصديق هذا، لكن المؤشرات تدل على أنه قادم، وسيصل وقته لا محالة في وقت قريب.

وقد تفطن مارك زوكربيرغ فأحدث تغييرا على إمبراطوريته الفيسبوك، بتحويله إلى ميتافيرس؛ إنه ليس تغييرا للاسم فقط، إنه عالم آخر مواز للعالم الحقيقي. فإذا كان أنستغرام اليوم هو نموذج للتطبيق الموغل في الافتراضية، حيث يقدم فيه الناس الحياة التي يحلمون بعيشها أكثر مما يقدمون فيه حياتهم الحقيقية، فإن المقبل من هذه الحياة الافتراضية سيكون أضعافا مضاعفة، مقارنة بالحياة الأنستغرامية الحالية؛ ففي مرحلة الميتافيرس، لن نبدي الجانب الجميل والمشرق من حياتنا فقط، بل سنخلق حياة افتراضية جديدة تماما. وسيكون بإمكان المرء أن يتقمص شخصية ملك أو رئيس جمهورية، وهو في الواقع لا يعدو أن يكون عاطلا عن العمل في قرية في دولة من دول العالم الثالث.

وهكذا نصل ختاما إلى التأكيد على أن “نظرية المؤامرة” التي يمكن الحديث عنها في سياق الكوفيد-19 هي ما فصلته أعلاه؛ أعني محاولة تسريع تقبل هذه الحياة الجديدة التي يتوقع أن تكون افتراضية بشكل تام، والتي كان من الممكن مقاومتها لو لم تتعمّم في عمامة الفيروس، ولم تلعب على الوتَر الحساس، وتر الخوف والموت وشعور وغريزة البقاء. وإذا تقبلنا هذا الأمر فإن الشركات العظمى المسيطرة اليوم على الاقتصاد العالمي ستُحكم القبضة علينا وعلى حياتنا، ولن يقتصر الأمر على أن تبيع لنا المنتوجات التي نستهلكها، وتحملنا على استهلاكها، بل ستبيع لنا العالم الذي سنعيش فيه، ونمط الشخصيات التي سنتقمصها، وحينها لن نكون إلا ربووات نُـوَجَّه من بعيدٍ، ونقوم بالأدوار التي يراد لنا القيام بها؛ إنه عالم الميتافيرس!

1xbet casino siteleri bahis siteleri