الثمن

في حقيقة الأمر، أن تكون الحياة عادية وسليمة وهادئة لشيء غير طبيعي ومدهش حقاً، تجد في هذه الحياة من حولنا العديد من الأمور تواجهنا، العديد من الصعاب والأحداث المؤلمة، لكن لا يهم منها شيء سوى كيف نختار ردة أفعالنا على هذه الصعاب، المهم كيف سندفع الثمن، ثمن هشاشتنا أمام هذه الصعاب، إمّا بتحولنا إلى أشخاص قساة، وإمّا أن نتعلم منها ونستعملها في تغيير هذا العالم من حولنا وخلق شيء جديد وإيجابي.

إن الثمن هو نية وحركة وترك، فلا أحد من بني البشر يستثنى من دفع الثمن ولا أحد ينجح في بلوغ مبتغاه إلا بدفع الثمن. يقول الشافعي في شعر الحكمة؛ “بقدر الكد تكتسب المعالي، ومن طلب العلى سهر الليالي، ومن رام العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال” أي أن بقدر الكد أو التعب ودفعنا لثمن كل شيء له قيمة تكتسب المعالي.

في رحلة الثمن سندخل في أي شيء له قيمة سواء قيمة تريد أن تعيش فيها أو صداقة تريد أن تحافظ عليها أو حلما تريد تحقيقه أو نفسية تريد الحفاظ عليها، وأي دور تلعبه في هذه الحياة فلا بد له من ثمن سواء كنت تعيش دور الصديق أو الأم أو الأب أو الزوج أو الابن … كل شيء بثمن. فكيف ندفع الثمن بنفس راضية طيبة؟ وكيف نسيطر على النفس دون هلكها؟

ثمة لحظات تكون فيها الروح جاثية على ركبتيها مهما كان وضع الجسد، فهناك العديد من الأشياء في معركة الحياة تسلب منك السلام النفسي إن لم تدفع ثمن حماية قلبك وعقلك، وللحصول على ذلك، لا بد من التناغم مع نقص الحياة، فما هو معروف أن المكتوب علينا هو النقص، ومن غير المعبود لا شيء كامل. من واجبنا تجاه أنفسنا أن نرفق بها ونتقبّل أخطاءها، وأن نعلم ألا أحد معصوم من ارتكاب الخطأ والوقوع في المعاصي ولا يوجد أحد منّا لم يرتكب خطيئة أو جريمة في الماضي القريب أو البعيد.

مقالات مرتبطة

إن هذه الخطيئة نفسها التي تولد شعور الاكتئاب بشكل فظيع دواخلنا وتهدد سكينة قلوبنا، فمن غير تقبل هذه الخطيئة لن نستطيع التناغم مع هذا النقص، ولن يكون هناك سلام داخلنا إن لم نختلِ بأنفسنا ونشرع بتنظيف كل أثر سلبي بالتعامل معه كالصانع الذي يصنع آلة ما بإتقان. لكن، أحياناً يصعب التفكر وسط هذه الحالة، تشعر وكأنك وسط ضجيج، تشعر بصعوبة في أن تسيطر على أفكارك وسط وحدتك الصاخبة من الداخل، لعلك بحاجة لحالة من التناقض أو لحالة من الهدوء الذي يتواجد بين الضجيجين، الداخلي أو الخارجي، أو أنك بحاجة صديق قادر على التغير من نفسيتك إلى أفضل حالها فقط بالجلوس واحتسائك كوبا من الشاي معه، صديق تحسه كبلسم لجروحك، صديق يخبرك بأن الحياة كأزرار البيانو، هناك أزرار بيضاء وأخرى سوداء، تارة هناك سواد وظلام؛ حالة من عدم السلام النفسي، وتارة العكس.

من طبيعتنا نحن البشر مهما كنا محاطين بالكثير من الأشياء من حولنا لا نستطيع أن نواجه ونعيش هذا الكم الهائل من التقلبات دون صديق، صديق دربك الذي يتحقق معه سلامك النفسي. ذلك الصديق الذي يقف أمامك إن سقطت وليس كل ما ارتفعت، الذي يحبك بدون سبب، الذي يكون راضٍ عنك تماماً كما أنت، بجميع حالاتك النفسية، يتقبل اختلافك عنه بلباقة، صديق صادق الوعد وصديق كلما صافيته صفا. وهو نفسه الصديق الذي يحفزك على تحقيق رغبة أو حلم أو مراد ما تريد تحقيقه.

لا شك أن من أكبر النعم وأفضلها امتلاك صديق، صديق يدفع ثمن نفسيته وهو يحاول الاحتفاظ بقليل من الطاقة التي يمتلكها ليقدم لك الدعم ويكون السند في أكثر المواقف صعوبة، يدفع ثمن وقته ليكون معك، فمن واجبك أيضا أن تدفع ثمن مرافقته التي تتجلى في دعمه والتواجد معه والسماح للخصوصية مع بعض، أن تدفع ثمن مودته ورحمته.

إن قطعة الجبن المجانية موجودة فقط في مصيدة الفأر، فلا أحد موجود عبثاً وكذلك لا تعطى الأشياء مجاناً دون دفع الثمن. إن لكل شيء قيمة بثمن، فلا نفس تحيا بدون ثمن، ولا رفقة تدوم إلاّ بدفع ثمن موافقتها، ولا مودة ورحمة بين حبيبين بدون دفع ثمنها، فلا جنة بدون دفع ثمنها في الحياة، ولا فوز في معركة الحياة إلا بدفع الثمن، ولا شك أن وراء كل هذه الأثمان حكمة يجب تمعنها.

1xbet casino siteleri bahis siteleri