ما ذنب المجتمع؟

عادة ما يلقي الناس لومهم على المجتمع ويعتبرونه المسؤول الأساسي عن كل ما يعانونه من مشاكل وآفات، ومن منا لم يوجه يوما أصبعا من أصابع اتهامه نحو المجتمع؟ لكن هل فعلا يستحق المجتمع عبء آهاتنا؟ هل المجتمع بريء من الغضب والسخط الذي ألقيناه في جبه، أم أنه بدوره مساهم في الجريمة؟

تساؤلات عديدة ومتعددة تراود كل شاهد على ما يواجهه المجتمع من اتهامات يومية دون أن يكون له حق الرد أو الدفاع عن الذات. لطالما سمعنا من المقربين أو غيرهم مختلف أساليب العتاب واللوم لما يسمى بالمجتمع من قبيل: لولا هذا المجتمع، لو كنا في مجتمع غير هذا، كل الويل لهذا المجتمع، ويكثر الحديث عن هذا المسكين المعتوه الذي لا يملك من الأمر شيئا ويعجز حتى عن الدفاع على نفسه لكونه ليس فردا مثلنا من بني آدم، له فم يتكلم به ولسان ينطق به بل حتى وإن كان من البكم فهو لا يمتلك بطاقة تعريف شخصية معرفة لهويته لكي يحاكم محاكمة عادلة.

مقالات مرتبطة

لو كان المجتمع يمثل فردا واحدا بفكر وهوية لاستنكر كل ما ألقي على عاتقه من بهتان عظيم، من لوم الشباب العاطل اليائس الفاقد للأمل في هذا البلد، الذي يصب بركان نار سخطه على المجتمع ويعزي فشله الأوضاع السياسية والاقتصادية، من لوم العشاق له على ما يواجهونه من جهل للحب ومعناه، ونظرة الشؤم والظلم لكل محب أصابته لعنة العشق، من لوم ضحاياه على كل عطب أصابهم أثناء معايشة أحواله المجتمعية، يكثر لوم اللائمين وكل يحمل معه اتهامه وسببه، أما المجتمع فيظل صامتا كشيخ وقور حكيم لا يجيد دخول النقاشات الحادة أو جدال أحمق محتفظا بشكواه للمولى الرحيم، لو كان المجتمع شخصا وتقدم بحجج الدفاع والتهم مثلنا، لسمع الشباب صوت أنينه وهو يرغب بدوره بالهجرة الخارجية فرارا من نيران غضبهم التي أحرقت فؤاده، لو كان يمتلك المجتمع صوتا لرأيناه يواسي العشاق بأرقى العبارات ويرجع للحب معناه المقدس السامي، لسمعناه يقول لكل من يعتبر نفسه ضحيته أنه بنفسه لم يسلم من أذانا لكنه لا يملك صوتا ولا نحن نملك بعد الرؤية ووضوح الصورة، يكثر الحديث عن ظلم المجتمع وعدم إنصافه، عن غدر الزمن وتقلب الأحوال والواضح أننا “نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا”.

نعجز عن لوم من يشكلون المجتمع من بشر، من يقدرون على المواجهة والتكلم والهجاء، فنختبئ دما خلف الستار البئيس الذي نسميه المجتمع للاحتماء والهروب من جبننا، نتعب أنفسنا بتوجيه التهم وأسباب الآفات والكوارث والانفجارات للمجتمع وننتظر منه الرد والحلول ونحن نعلم مسبقا أنه لا يملك على مخاطبتنا سبيلا، نتعبه معنا بأعبائنا الثقيلة اللامحدودة، ألسنا نحن من نصنع باتحادنا المجتمع؟ لو لم نكن نحن معشر القوم لما تشكل ذلك المجتمع الذي نعاتبه اليوم، لذا لكي نغير المجتمع علينا أولا أن نغير العقليات السائدة فيه وهي أفكارنا نحن كأفراد.

ألم نتساءل يوما، ماذا لو لم يكن هذا المجتمع المتهم، ترى سنكف عن استهداف المجهول الغائب لنمتلك الجرأة على تسمية الأشياء بمسمياتها والناس بألقابهم، ونحن نعلم قدرتهم على الرد أم أننا سنبتكر سبلا أخرى، لمعاتبة جماد ومجهول آخر لسبب وحجة مغايرة؟

1xbet casino siteleri bahis siteleri