بطولة الوحدة والانتماء

ربما هي مجرد لعبة، تحكم بعدد الأهداف المسجلة لكي يتم الإعلان في الأخير عن فريق فائز وآخر خاسر، لكن، إذا أمعنا النظر سنجد بأنها أكثر من ذلك، وأهدافها لا تنحصر فقط في الشباك وإنما أهدافها الحقيقية تكمن في إعادة الوحدة والانتماء.

يقال منذ الصغر أن المسلمين والعرب إخوة بدءا من العائلة، المسجد، المدرسة وانتهاء بالمجتمع ككل. ففي البيت لطالما أخبرنا آباءنا بأن أبناء الجيران وأصدقاء المدرسة هم إخوان لنا ليس برابطة الدم ولكن برابطة الإسلام والعروبة. وفي المدرسة لطالما ذكرنا الأستاذ بأننا نسيج واحد يندمج فيما بينه كما يدمج الرسام بين جميع الألوان والأشكال الهندسية ليعطي لوحة فنية فريدة.

في صلاة الجمعة، لطالما كانت خطب الإمام تتمحور حول أخوة المسلمين وتآزرهم حيث كان يستشهد بالحديث النبوي الشريف: “مثل المؤمنين في توادهم وتآزرهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو واحد تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ودعاء الختم كان يشمل دائما نصرة المسلمين في كل بقاع العالم وعلى وجه الخصوص نصرة إخواننا في فلسطين. كل هذا يزرع فيك بذرة الانتماء لوسط عربي مسلم منذ الصغر ويطبع في وجدانك طابعا يصعب محوه.

مقالات مرتبطة

كلما كبرنا واكتسبنا تجارب جديدة كبر هذا الإحساس معنا، إلا أن هناك عوامل كثيرة يمكن أن تقوم بتشويه ماهية هذا الانتماء بسبب التحديات والمصالح السياسية والاقتصادية بين الدول. وبسبب هيمنة الدول العظمى التي تحاول أن تبسط ثقافتها الغربية على جميع المجتمعات، فيؤدي ذلك بالإنسان العربي إلى تضارب في أفكاره، ما ينتج عنه نفور بين الشعوب العربية
والآن تأتي أكبر التظاهرات الرياضية عالميا والتي تنظم بدولة عربية لأول مرة في التاريخ، لكي تذكرنا أن كل ما يزرع في الأصل لا يمكن اجتثاثه رغم كل التحديات، فنرى في عيون كل الشعوب العربية الافتخار بالبلد المنظم، وكيف تم الاعتزاز والافتخار بجودة التنظيم كما أن جميع الدول ساندت قطر ضد الهجوم الإعلامي الغربي الذي يهاجمها ويحاول طمس هويتها العربية المسلمة وكل الدول العربية نددت بواجب احترام قرارات البلد المنظم لحماية معتقداتها الدينية والمجتمعية.

عندما انتصر المنتخب السعودي خفقت قلوب كل العرب فرحا وكان الانتصار لنا جميعا، وعندما خسر فريق قطر كان الانكسار كذلك للجميع، وبعدها بدأ العرب رحلة التشجيع لمنتخبنا المغربي الحبيب حيث رأينا بأم عيننا كيف كانت مساندة كل العرب لأسود الأطلس في جميع المباريات التي يخوضونها، لأن المنتخب لا يمثل فقط المغرب وإنما يمثل كل الدول العربية،
وخير من جسد لحملة الانتماء هم مدربو ولاعبو المنتخب المغربي حيث كانوا أسودا تزأر وسط الميدان ليبرهنوا أن لا شيء يعلو عن حب الوطن على وجه الخصوص والعالم الإسلامي، الإفريقي والعربي على وجه العموم.

انتصارات المنتخب المغربي هي انتصارات لشعوب تبحث عن التغيير، تبحث عن من يؤمن بقدراتها، تبحث عن من يتيح لها الفرصة لتخرج أجمل وأجود ما فيها. بطولتنا اليوم هي أحياء ما ظنناه قد مات فينا، أحياء الإيمان والحب بين كل العرب. شكرا للأسود الذين جعلوا علم المغرب يرفرف بين أعلام كبار الدول وحفروا النشيد الوطني في آذان شعوب العالم.