قراءة في كتاب بابلو بازوليني: شهيد السينما والفكر لعبد العلي معزوز
عرف تاريخ السينما أسماء عديدة كانت لها بصماتها الخاصة وفلسفتها في التعاطي مع الفن السابع، ويعتبر بابلو بازوليني Paolo Pasolini أحد هذه الوجوه التي ما زالت تفرض اسمها في سماء السينما ولو بعد قرن من الزمن.
تتعدد الصفات عندما يتعلق الحديث بــ “بيار باولو بازوليني”، فهو الشاعر والكاتب والمسرحي والممثل وأحد صناع مجد السينما في القرن الماضي، والذي ما زال حاضرا في النقاش الفيلمي والسينمائي إلى يومنا هذا؛ وذلك راجع لكون المواضيع التي عالجتها أفلامه ما زالت محط نقاش واسع بين رافض لفكره وتصوره لدور السينما، وبين من يرون فيه علامة فارقة أعطت بعدا آخر للتعاطي مع الكاميرا والواقع الفكري والسياسي.
“بابلو بازوليني شهيد السينما والفكر” كتاب من سبعة فصول، حاول من خلالها الدكتور عبد العلي معزوز الوقوف على هندسة متفردة لشخصية “جدلية” حاورت السينما انطلاقا من فكر على غير العادة.
حمل الفصل الأول عنوان: “بازوليني منظرا سينمائيا”، عنوان يختزل نظرته للسينما التي نهلت من السيميائي Morris وFerdinand de Saussure وJakobson في اللسانيات.
حسب صاحب الكتاب، عبد العلي معزوز، نجاح أفلام بازوليني راجع للمسة جمالية، من حيث كونه ينهل من الشعر والرواية والمسرح.
أما الفصل الثاني، فقد اختير له عنوان: “بازوليني ناقدا سينمائيا”، فإذا كانت “الفلسفة هي صناعة مفاهيم جديدة” على حد تعبير Gille Deleuze، فإن الاشتغال على السينما جعل بازوليني ينتج جهازا مفاهيميا خاصا به. إن الانتقال من المكتوب الروائي إلى المحكي الفيلمي سؤال فرض نفسه على بازوليني وغَيْرِه ممن أسسوا لـ “سينما المؤلف”، باعتبار أن ما يمكن قوله والتعبير عنه يمكن تصريفه عن طريق الرواية والشعر والمسرح والسينما، إلا أن هذه الأخيرة تعبر عن الموضوع بلغة بصرية.
أما الفصل الثالث فهو عبارة عن “فيلموغرافية بازوليني” حيث نجد تحقيبا زمنيا لنوعية الأفلام التي أنتجها بازوليني، والتي ابتدأت بأفلام سهلة الولوج موجهة بالدرجة الأولى للجمهور الواسع كفيلم “أكاطوني”، ثم مرحلة ثانية تلك التي ضمّت أفلاما تطلبت مجهودا كبيرا للفهم كفيلم “أوديب ملكا” و”ثلاثية الحياة”. أما المرحلة الثالثة فبصمها فيلمه الشهير “صالو أو 120 يوما في صوديما”، الفيلم الذي جعل من الجسم، ليس فقط موضوعا للرغبة، وإنما مادة خصبة لبسط شتى أصناف القمع والسيطرة.
عمل الدكتور معزوز في الفصل الرابع على تبيان “المفاهيم الفلسفية والجمالية” التي جعلها بازوليني موضوع أفلامه ومدار اهتمامه من قبيل المقدس والجسد والتراجيديا ومفهومي الجحيم والمطهر.
أما الفصل الخامس والسادس، فقد عنونهما الكاتب على التوالي بـ: “بازولينبي شاعرا” و” بازوليني روائيا”. في الفصل السابع والأخير، يصف د. معزوز بازوليني بـ ” المساجل السياسي” الذي نقد السلطة والثقافة وهجا التلفزيون الذي اعتبره وسيلة لبسط السلطة وأداة لتكوين نَمَطِيين Des conformistes.
يمكننا القول إن ندرة الكتابات حول شخصية بازوليني، والتي تتوزع مبرراتها بين المحافظة Le conservatisme والجسارة في نسف القواعد المسكوكة والأفكار الإسمنتية، جعلت من الدراسة التي تقدم بها الدكتور والباحث الأكاديمي عبد العلي معزوز أيقونة لمبدع سينمائي تظل الحاجة إليه أمرا ضروريا في وقتنا الراهن.