قراءة في رواية الأسود يليق بك لأحلام مستغانمي
تعتبر رواية الأسود يليق بك، من أهم وأشهر الروايات الموجودة في الساحة العربية والمصرية للكاتبة والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي.
أحلام مستغانمي المولودة عام 1953 بتونس، تعتبر من أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم العربي، ومؤلفاتها من بين الأعمال الأكثر رواجا في العالم، لتحصل بذلك على لقب “فنانة اليونسكو” من أجل السلام لمدة سنتين. كان عام 2012 هو تاريخ إصدار روايتها الأسود يليق بك، عن دار النشر مؤسسة نوفل، والتي تتحدد فصولها في 14 فصلا، وعدد صفحاتها في 335 صفحة، محققة نجاحا كبيرا، حيث بيع منها أكثر من مائة ألف نسخة خلال الشهرين الأولين من صدورها.
اعتمدت الكاتبة في روايتها على سياق تاريخي عميق، يحمل في طياته طابع الرومانسية، وتطغى على سرد أحداثه الطرق السلسة العبقرية والكلمات المنتقاة بعناية شديدة، الشيء الذي يجعل القارئ يستمتع بالقراءة، ويخلق لديه شغف متابعة الأحداث دون توقف.
تدور أحداث الرواية حول قصة حب بين البطلة الجزائرية المسماة “هالة الوافي”، مغنية، تبلغ من العمر 27 سنة ولها من الصفات ما تتمتع به كافة النساء وهي العناد، والتحدي والكبرياء. وبين السيد طلال هاشم، رجل أعمال لبناني مشهور بثرائه، يبلغ عمره 50 سنة، يقيم بالبرازيل ويتمتع بدوره بصفة الغرور. لا تدري البطلة بوجود البطل ولا هو يدري بوجودها، كل في عالمه يعيش حياة مختلفة، إلى أن شاهدها صدفة لأول مرة في مقابلة تلفزيونية، فأعجب بجرأتها، وحضورها وشجاعتها وقرر بأنها ستكون له ومن نصيبه طالما أنه يحصل على كل شيء يريده.
الإعجاب هو التوأم الوسيم للحب!
لم ينس البطل أبدا طلتها في البرنامج بالفستان الأسود الذي جذب عقله وكلماتها المعبرة عن قوتها والتي تجمع بين الألم والعمق، خاصة حين سألها مقدم البرنامج: “أما خفت أن تشقي طريقك غالى الغناء بين الجثث؟” فأجابته قائلة: “إن امرأة واقفة في حلبة ملاكمة، دون أن يحمي ظهرها رجل، ودون أن تضع قفازات الملاكم أو تحمل في جيبها المنديل الذي يلقى لإعلان الاستسلام، احتمال الخسارة غير وارد بالنسبة لها.”
أصابت هذه الكلمات السيد طلال بالذهول، ولم ينسها أبدا إلى أن رأى صورتها يوما في صحيفة احدى المجلات، وحينها تعرف على اسمها، “هالة الوافي” لتبدأ رحلة التعرف ويشق الحب طريقه بينهما. لكن، ما سيحدث في الأخير، هو عبارة عن نهاية شبه تراجيدية، لأن العلاقة التي كانت بينهما تحكمها صفاتهما المتمثلة في التحدي، والغرور، والكرامة والكبرياء.
فالبطلة برهافة إحساسها ورقة قلبها وكبريائها وكرامتها شجاعة، أما هو فكان رجل أعمال كبير لا يتوقف عن الربح، لكنه لم يستطع رغم ذلك أن يمتلكها لأن الكبرياء من شيمها، ولأنها تعلمت وهي على أعلى منصة الطبيعة أن لا تقبل أن يطل عليها أحد من فوق، مما جعلها ترفض اقترانها به وترفض ذاك الحب.
وهو يمجد سوادها، كان يريد استعبادها!
لم يكن سهلا عليها ألم الحب، ولكنها تحررت منه بصوتها عندما أطلت على مسرحها في العراق، تغني بحرية للعراق الموجوع وللناس جميعا. ليس ثوبها الأسود، بل صوتها ما أخذ بالثأر، لأن البطل كان قد أجبرها على أن لا تغني لسواه، وبمجرد أن أطلت على المسرح، اختفى طيفه من حياتها، وكانت حرة بثوبها وبصوتها.
اعتمدت أحلام مستغانمي على توزيع المتن الروائي، إلى عدة أساسيات حياتية؛ أي ركائز نحتاجها في حياتنا العملية والشخصية، سواء تمثلت في الحب أو التحدي أو الشجاعة أو الجرأة، والأهم من ذلك أنها توخت التحدث بسوداوية، حقد أو كراهية، بل أنها في كل مشكلة وفي كل تعثر، كانت تبين على أنه مجرد بداية لكفاح جديد، وأن كل نهاية أليمة وموجعة لا بد لها من بداية أخرى مشرقة وهو ما تثبته الفقرات الأخيرة من الرواية، حين تقول البطلة أنها لم تندم على الحب، وأنها مستعدة للرقص والحب من جديد، فهذه هي الحياة.
حاذر أن تغادر الرقص كي لا تغادرك الحياة، ولا تكترث للنغمات التي تتساقط من صولفيج حياتك فما هي إلا نوتات!
نستشف من هذا كله أن الرواية ذات مضمون تحفيزي، وأسلوب أدبي رومانسي محض، يجذبك كل حرف بين سطورها بلا إرادة منك، تحاول من خلالها إرسال رسالة مفادها أن كل امرأة قوية في جميع أحوالها، وأنها قادرة على الحزن والفرح في آن واحد، وأن نهاية الحب لا تعني نهاية المشوار، بل بداية لفرصة جديدة، وهذا ما يجعلني ربما أقول أن أحلام مستغانمي استحقت لقب “أكثر شخصية مؤثرة في العالم العربي”.