الإنسان بين الوجود والعدم

إن وجود الإنسان وماهيته فوق هذه البسيطة يجعل منهُ كائناً محوريا فيها، ومكلفاً وذا رسالة يلزمهُ إيصالها بالشكل المطلوب وعلى الوجه القويم لها، لذلك، فهي رحلة تبدأ بالتكليف وتنتهي بالتشريف إن فَلحْت فيها، أو العقاب إن كانت غير ذلك، فهو جزاء وحساب في الأخير، رحلة وُجِدت من أجل استخلاف الخالق في أرضه، رحلة يجب على الإنسان أن يسعى فيها لترسيخ القيم النبيلة، والتدافع الحضاري، حتى يعم السلام والهناء.

ليس كما هو مشاع، أن الإنسان خلق من عدم وصدفةٍ ونتاجٌ للطبيعة، وأن قدره هو قدر شبيهٌ بباقي الكائنات الحية التي تشاركه الوجود، قدر يبدأ بالوجود وينتهي بالفناء. في هذه الرحلة سنجد أنه بين الماضي القريب البعيد وبين الحاضر المشرق والمستقبل الزاهر، يتأمل الإنسان حاله وأنه عبارة عن دقائق وثوان، وساعات وأيام، كلما انقضى بعضها انقضى جزء منه، هي رحلة قصيرة بتحديات كبيرة، بميراث ثقيل فيه الفرح والقرح، النجاح والفشل، التعب والراحة

مقالات مرتبطة

جمعت حياة الإنسان كل المتناقضات؛ الموجب والسالب، الحسن والقبيح، هي معادلة رياضية ونظرية فلسفية مآلها الزوال والعدم، لكن فيها من العشق والحب والسعي الدائم ما يجعلها فريدة عندما نُقدر غايتنا فيها وندرك أن كل لحظة فيها هي مناسبة لزرع بذرة جميلة من الخير والعطاء والحب والوئام، وأن واجبنا هو أن نعتني بها حتى نجعل منها شجرة مباركة تكون ظلا للإنسان وملجأً لكل المخلوقات، شجرة مثمرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها دائما أبدا بإذن ربها. هي رحلة مستمرة بدوام الإنسان تمتزج فيها الأحاسيس، الحب والشوق، الحنين والرهف، والدعاء والرجاء.

مهما اشتدت عليك الدنيا بدونيتها، وأحرقتك همومها وأوهامها، تذكر دائماً وأبداً أنك إنسان أُمِر على السير سيرا دائماً إلى الله تعالى، فالمسير هو السبيل لتتذوق معنى السعادة، وتطير بجناحيك إلى علو، إلى مقامات التجلي والجمال والكمال، في ذلك الطريق إلى الله تعالى، يوجد شوق، وعشق وخلاص. أنت في هذا الطريق الشاق المتميز، طريق البحث عن الذات، في سيرك المستمر، وأنت في عوالم التحديات، لا تنس أبدا أن التمرد هو أصل الوجود، وأن الصبر هو زادك في إثباته، عش بعشق وحب، عش بهوى المجنون وقل أنا هنا، واجعل الكون كله يعرف أنك موجود، لكن بهدوء ويقين، وإيمان حديدي بأن الذي خلقك جعلك لمهمة عظيمة وغاية كبيرة، وبأن قيمتك عنده سبحانه جل جلاله إنما هي من أصل الأمر الذي أقامك فيه وعليه، ولتطمئن يا ساعي، فمن لم يركض وراء عشقه لم ينل مراده.

عش قدرك في الوجود بأجمل ما فيه، عش كل ثانية فيه على أنه الماضي والحاضر والمستقبل، عشه بابتسامة وحب وعشق، عشه كأنه البداية التي لا نهاية لها، وأنها النهاية التي لا وجود لها، واعلم أن الجليل جل جلاله ما أوجدك وخلقك إلا لتكون أسعد الناس وأنه سبحانه جميل يحب الجمال، فكن جميلا وعش حياتك بجمال.