عيد الأضحى عن بعد بين الرغد والتقشف

1٬410

أَقبَلَ العيدُ وَلَكِن لَيسَ في الناسِ المَسَرَه
لا أَرى إِلّا وُجوهاً كالِحاتٍ مُكفَهِرَّه
ايليا أبو ماضي
ويحدث أن وجدنا على أعتاب العيد،الكل يكد ويجد من أجل اسعاد أهله،يقتنون ما تيسر من الضروريات والكماليات لتزيين فرحة عيد الأضحى،يعتلي الشوق والحنين الوجوه المتعبة من قهر العمل وضغوطات الحياة،شوق للديار والأصل،حنين إلى الجذور المقدسة ومحور الكينونة،الأرواح تتدافع وتتناقل من مدينة لأخرى أو من بلد لآخر عبر وسائل مختلفة،تتدفق العواطف طوعا لملاقاة الأحبة وتجف بحور الضغينة لتعرف العلاقات مهادنة ومودة مدهشة،تتصافح الأيادي باختلاف ألوانها ومدى نعومتها ويلوح اللون الأبيض في كل مستقر،تتعالى أصوات البهائم في كل ركن والسكاكين الحادة تعلن الثورة في حق الولائم،ودماء السلام تلون التراب ليكون اللون الأحمر رمزا هائما لانتصار التوق والحنين،أما رائحة الشواء فتكسر هم الأنوف وتطفئ نار البطون في جلسات حميمة يكتنفها الود والحبور،الى هنا رفقا بمشاعر المغترب الذي حالت قسوة الأيام دون قضاء فترة العيد بموطنه بمعية عشيرته.
والأصح أنه تتباين أسباب الهجرة او الاستقرار في مكان آخر دون معقلك،لكن كثيرا ما يكون الحال مرتبطا بالوضع المادي فكما نعلم أن الأسر المحافظة والمتشددة ثقافيا التي تشتكي أكثر من ضيق الغربة هي الأسر القاطنة في الأحياء الشعبية المتبرمة والمحتجة،في العمق تقسوا عليها المناسبات بالرغم مما تبرزه ظاهريا من رفاهية،فاقتناء الأضحية لازم في الطقوس الاسلامية وهذا يثقل كاهل متولي زمام الأمور ليكد في توفير كل المستلزمات المختلفة المصاحبة لأيام العيد،مما يشكل تضاربا جوهريا بين متطلبات الشعائر الدينية والدنيوية والإمكانيات المتاحة،وتساهم التنمية الضعيفة للبلدان الاسلامية النامية في هجرة الأفراد للبحث عن لقمة العيش،وعند الفلاح في التغرب يعتبرون أنفسهم حققوا الأهم لكن تبقى الثقافة والطقوس الدينية الغربية المحيطة بهم كابحا اساسيا في اندماجهم وعاملا هاما في مشقتهم،مع العلم أنه يوجد آخرون ينساقون لتنكيل الثقافة الاجنبية،ويبقى قضاء العيد في الغربة بالنسبة للمهاجر هاجس سوسيو –ثقافي وهوياتي يترجم صيرورة التثاقف المعقدة.
ومن حسنات العيد الكبير كما نطلق عليه نحن المغاربة، لحمة المجتمعات الاسلامية وتماسكها وانضوائها تحث راية الشريعة الاسلامية،ويتم تبجيل هذه الأيام المباركة التي لها مكانة جسيمة في حياة المسلم على وجه الخصوص،وما توصي به من قيم ونبل حكيمة تستوقفه للتأمل والتدبر في دينه،وإعلان التوحيد والإجلال لله عز وجل.
أما الأمر الخائب في عدم قضاء العيد بأصلك بقائك منبوذا ووحيدا في مكان لا تنتسب إليه،يعتريك الشجون وأحيانا الغضب والفشل لعدم مقدرتك في تغيير الحال والمشاركة في المحفل المليح،والأشنع أن تتعارض ثقافتك،أفكارك،اتجاهاتك وشعائرك الدينية مع محيطك،سيتعسر حقا خلق نوع من الرضى والقبول داخله وسترافقك أزمة نفسية حادة قد تسقطك في الاكتئاب اللحظي والهشاشة النفسية التي تصل أحيانا إلى حد البكاء. ومن الحمق أن هذا التنغص سحابة عابرة إلا أنه جد مؤثر ووضعية لا يحسد عليها لا أتمناها لأحد فقد ابتليت بها من قبل وارتشفت مرارتها وتأوهت مرارا وقتها،فمهما حاولت النكران والتطاول فلا مهرب من الموروث الخالص والأصل الأثير،فكل يمجد أصوله وجذوره ويعتز بها،فوجود الفرد من الثابت أنه مقترن بانتمائه وثقافته.
ومع ذلك فعيد الأضحى فرصة للهروب من أغلال الهم على الرغم من تبعاته المادية،ومناسبة أنتروبولوجية تحمل في كنهها الطقوس والشعائر المجتمعية السائدة، ومأذونية ميسرة لاستشراف الذات التائهة في معترك الحياة وتوطيد الروابط في ظل الانقسامات الجغرافية التي تفرضها الهجرة والتمدين في رحلة البحث عن العيش الكريم،ليغذوا فترة وضاءة وقارب نجاة من وطأة لعولمة.