كلنا يهفو إلى ذلك الحلم الجميل ،اليوم الذي تنجح فيه و تستقل بذاتك ،تقود قطار حياتك وحيدا تختار توجهك ،عملك ،زوجتك…تكون سيد قراراتك ،الشخص المسؤول الذي يعول عليه ،رب العمل ،رب الأسرة، اليوم الذي ينظر إليك فيه باحترام و يصبح اسمك كلمة موزونة في أفواه كل من تعرفه أو لا تعرفه…لكن لبلوغ تلك الغاية النبيلة يتوجب عليك أن تدفع بعض الثمن، أن تضحي بالغالي و النفيس، أن تحتمل الألم في البداية و أن يكون النجاح الهدف الأسمى الذي يهون عليك مصاعب الطريق.
يكون الاستقلال بالذات حلم كل شاب و شابة في بداية المشوار الجامعي و يصاحب هذه الخطوة الجميلة أخرى مرة لكنها ضرورية الا و هي الاغتراب .
الاغتراب يعني التخلي عن التفاصيل الصغيرة التي اعتدتها في حياتك السابقة ..قد يكون صوت أمك الذي يزعجك بالأوامر و النواهي كل ما ترجوه لتشعر بالحب و الأمان، تخنقك العبرات و أنت تتحدث إليها عبر الهاتف و تود لو تدفن وجهك في حضنها و تدفن معه آلامك و أحزانك ..قد يزعجك والدك بتدخله المستمر في حياتك والسؤال عن المهم و غير المهم و اليوم يقتلك الحنين إلى يده التي تربت على كتفك و تتمنى لو تحدثتما كثيرا حتى تملا فراغ روحك،ماذا عن إخوانك الذين يستشيطون غضبك بواجباتهم الدراسية التي لا تنتهي بمشاحناتهم و مشاكساتهم ماذا عن الأشياء الغبية التي قمتم بها و الأسرار التي خبأتموها عن والديكم ..لربما كانت تلك الانفعالات سببا في استقرار حياتك و جزءا افتقدته يوم دخلت بيتك الخاوي على عروشه ،يوم وجدت كتبك ملابسك أدواتك على حالها لم يعبث بها أخ مشاكس و لم تنظمها أم حنون .صار الهدوء الذي كنت تتمناه يفقدك شهية ما حضرته من طعام و صار النوم الملاذ الوحيد من الذكريات..
ستتعلم أشياء كثيرة و سينتهي عهد السيد المدلل ،لن يكون طعامك جاهزا حين تنتهي من مذاكرتك، لن تغسل ملابسك و تطوى و تكوى بعناية، لن يدق باب غرفتك احد ليناديك على العشاء ،ستكون وحيدا و ستطوف غرفتك الرباعية من الملل ستعد طعاما غريبا تحتار في تسميته، ستحافظ على مالك و تدبر إنفاقاتك ،ستسهر الليالي في حفظ دروسك و الإعداد للامتحانات ستكره كل شيء و تلعن اليوم الذي اخترت فيه ذلك التوجه و عندما يكلل جهدك بالنجاح ستنسى كل التعب ،سترى الفخر في عيون عائلتك و أنت تقدم لهم ثمرة جهدك و نتيجة دعواتهم.
ستواجه العديد من التحديات و قد تواجه الفشل نفسه و عندما يعود بك الزمن إلى لحظات الانكسار الأولى، اللحظات التي كتب لك كباقي الخلق ان تتجرع علقمها، اللحظات التي ستختبر فيها فعلا الإنسان الصامد الواثق الذي ترسمه لنفسك في أحلامك ،النظرة الواثقة و النبرة المتحدية ،ثم فجأة ! تخور قواك و تستسلم للبكاء تندثر صورة الإنسان الجلد امامك و لا يبقى سوى الإنسان المنكسر … كلنا عاش هذه اللحظة و ما زال سيعيش منها عددا.
لحظة الفشل اللحظة التي لا تحتاج فيها الى شفقة أو مواساة احدهم وإنما تنتظر فقط رحمة الله ، لكن في كل تجربة ستجد نفسك أكثر تحملا و أكثر صبرا و ستسخر ربما من انفعالاتك الماضية، وبمرور السنوات ستصبح الإنسان الذي كنت تحلم به ، وسترى الفخر في عيون طلابك أسرتك و أصدقائك وأنت تحكي لهم قصة نجاحك.
ستنسى الألم الذي عشته و سيصبح ما كنت تحسبه سوء حظ و فشلا ذريعا طاقة جبارة لك للمضي قدما وستعلم بعد كل ذلك ان الله كان يعدك لتصير هذا الإنسان الناجح ،الطبيب الرائع المهندس المحترف، الأستاذ الكفء ….. عبر سلسلة من الاختبارات…
ستكون مدينا لكل لحظة عشتها لأنها أحيت إصرارك من جديد و ستعلم حينئذ إن تلك الأحداث خلقتك خلقا جديدا…
طالبة بكلية الطب و الصيدلة احببت الكتابة منذ الصغر
المقال السابق
المقال التالي