ففي حياتنا اليومية قد نصادف في طريقنا شخصا ذو ثياب رثة وجسم نحيف يخاطب نفسه بصوت مرتفع بكلمات مشفرة قد تكون مرتبط بحدث يرجع لثمانيات القرن الماضي، أو قد نسمع بقصة شاب كان ذا جمال وذكاء لكن حاله تغير بين ليلة وضحاها لتتدهور صحته العقلية ويصبح من الذين يطلق عليهم الحمقى أو المختلين عقليا. للأسف هذه هي أفكارنا بصفة عامة عن الأمراض النفسية أو العقلية في حين ننسى أن بعض الأشخاص الذين يبدون أسوياء جسمانيا لكنهم في حقيقة الأمر غير أصحاء من الجانب النفسي، فكم من مرض يتطلب جرعة دوائية بسيطة من طرف طبيب متمكن لتعود المياه لمجاريها.
فمثلا مرض الفصام أو ما يطلق عليه عند البعض انفصام الشخصية يكون سببه نقص في مادة على مستوى الدماغ، هذا النقص يؤدي بصاحبه لهلوسات سمعية وبصرية وبذلك يبقى المريض متخبطا بين عالمين: عالم واقعي لا يكاد يتأقلم معه وآخر خيالي نسجه العقل بإتقان، لكن كل شيء يتغير عندما يتدخل أخصائي متقن لعمله بوصف جرعة دواء حسب مراحل تقدم المرض فيعود العقل لصوابه؛ فالإصابة بمرض عقلي أو نفسي ليس بالأمر الهيِّن، لكنه المرض الذي ينخر الهمم كما ينخر الصدأ الحديد. والأصعب هو ما بعد الأزمة، إنها فترة الفراغ التي قد تتعدى شهورا لتدوم سنينا عجافا إذا لم يتخذ المريض قرارا شجاعا ببداية صفحة جديدة. حتما سيأتي ذلك اليوم الذي يسمع فيه المريض صوتا داخله يَحتَج ويقول: “انهض لقد أطلت المكوث في نفس المكان”.