سافر لتحيا من جديد
أحيانا تجلس بهدوء تفكر متأملا في منحى مجرى حياتك، بعد ذلك قد تأتيك بعض الأفكار غير المعهودة، أحيانا تكون حمقاء، وأخرى يكون فيها نوع من المغامرة، أما أنا فجاءتني فكرة السفر لعدة وجهات خلال الصيف بمفردي، احتفظت بالفكرة في مكان آمن في عقلي، وبذلك بدأت مشاعر الفرح تغمر قلبي، ما إن جاء الموعد حتى قررت تطبيق الفكرة والسفر لوحدي، أقصد رفقة حقيبة ظهري التي تحمل ضروريات السفر. ومن محاسن الصدف أن لون حقيبة الظهر كان أخضرا كلون بذلة العسكري فبذلك كانت صدفة جميلة، لأن هذا السفر كان بالنسبة لي تجنيد حقيقي كالذي يتلقاه العسكري في الثكنة إذ تعلمت الكثير. بالإضافة إلى الحقيبة، اصطحبت معي مفكرة لتدوين أفكاري ويومياتي بالإضافة إلى كتاب.
كانت أول وجهة هي مدينة الصويرة؛ والمميز في تجربتي أنني استغللت الفرصة لاستخدام رصيدي من اللغة الإنجليزية الذي تعلمته على مدار سنتين ونصف، وكان ذلك بحديثي مع فتاة إنجليزية من أصل يمني وسيدة إيطالية، رغم أن مستواي ليس بالجيد بعد لكنني استطعت التواصل معهما، وهذا ما أدخل السرور إلى قلبي، ليس ذلك فحسب بل تذوقت لأول مرة في حياتي المحار الذي كان لذيذا، الشيء الذي يجعل لعابي يسيل كلما تذكرت مذاقه، بعد ذلك توجهت إلى امسوان، تاغازوت ثم أغادير لإكمال رحلة خوض التجارب الجديدة ورحلة الخلوة بالذات.
أما الكتاب الذي اصطحبت معي، فقد كان عبارة عن سيرة حياة الكوميدي الإنجليزي مايكل ماكنتاير، والجميل فيه أنه يحكي عن قصة كفاح ماكنتاير، أدركت بقراءتي للكتاب أن لا شيء يأتي بسهولة، بل لا بد من الصعوبة لبلوغه، كما علمني الكتاب أن الحياة الناجحة عبارة عن كفاح وليست وليدة جهد بسيط، كان الكتاب حقا بمثابة رفيق جيد لي.
تعلمت في رحلتي هاته عدة أشياء من ضمنها؛ التواصل مع أشخاص لا تعرفهم، ففي الحياة العادية غالبا ما نفعل نفس الشيء كل يوم، لكن في أماكن أخرى تلتقي بوجوه لم تعرفها من ذي قبل، وقد تسمع لهجات لم تعهدها، أما إذا كنت في وجهة سياحية فقد تسمع لغة لا تفهمها، بذلك يكون التحدي هو الحصول على طريقة للتواصل مع هذه الحالات المختلفة، إنه تحدٍّ جميل يجعلك سعيدا إذا تمكنت من توصيل فكرتك ويجعلك فخورا بتجربتك.
كان مما تعلمته أيضا عيش اللحظة؛ إذ تفقد التواصل بالزمن حيث قد تنسى أهو السبت أم الأحد بل ربما الخميس، فالشيء الرائع في السفر أنك تحدد فقط وقت المجيء ووقت المغادرة وتنسى البقية لأنك تفقد كل اعتبار للزمن، وهذا هو الدرس المفيد في التجربة إذ إنك تتعلم عيش اللحظة وتقطع الصلة بالمستقبل وتنسى الماضي.
يساعدك السفر على تعلم المغامرة؛ بحيث تدخل أزقة لا تعرف مخرجها، تأكل طعاما لا تعرف مذاقه ومكوناته، تنام في فراش غير الذي ألفته؛ فالسفر إذن هو فرصة حقيقية للخروج من منطقة الراحة، فمؤخرا أصبحنا نسمع عن التشجيع على الخروج من منطقة الراحة، فأحيانا ذلك لا يستلزم تغييرا جذريا، بل قد يكون عن طريق السفر إلى أماكن جديدة.
أخير أقول إنني اكتشفت من تجربتي أنه لشيء جميل أن تسافر؛ فالسفر عبارة عن مرحلة يجدد خلالها الإنسان طاقته، يعطيك حماسا كبيرا لبداية جديدة وكأنك ولدت من جديد، فأحيانا يقتلك روتين الحياة العادية أما السفر فيأتي ليحييك ويوقظك من سباتك، كما أن طاقتك قد تمرض أما تغيير المكان فحتما يشفيك، كما أنك قد تفقد التحكم في سرعة سير حياتك أما السفر فيأتي لضبط هذا التوازن.
فالسفر إذن دواء لكل داء؛ إذ يعمل كالأنسولين الذي يضبط مستوى السكر في الدم فسافر لتحيا من جديد. ビットコイン賭博サイト