عادة ما يدون المرء أهدافه وأحلامه عند نهاية كل سنة وبداية أخرى؛ ظنا منه أن هذا العام الجديد قد يأتي بجديد يُشفي قلبه ويثلج صدره بإنجازات يتمناها وأمجاد يسعى إليها.
يُقال إن الزمن يشفي الجروح ويداوي النفوس ويطوي الهموم كما تطوى الأوراق بين الكتب، وكم من مصيبة أنساها الزمن بمروره وبُعدنا عن تاريخ وقوعها، لكن هل فعلا الانتقال من سنة إلى أخرى يمكن أن يحمل لنا أفراحا لا نتوقعها؟ أم أنه ينزل علينا بمصائب لا قبل لنا بها؟
الأمس، اليوم، الغد، كلها أشياء متصلة في حلقة غير منتهية. الزمن يمضي، البعض يموت، والبعض يكبر، والبعض يولد، والبعض يكدح، والبعض يرتقب، والبعض لا يدري ليله من نهاره ولا تاريخه من تاريخ غيره.
أتساءل ماذا يغير فينا الزمن؟ هل هي أرقام تتغير تصاعديا فقط ؟ ليس هذا ما يبدو فعلاً! الزمن لا يرحم ولا يتوقف ولا ينتظر أحداً ولا يعود للوراء، بل يمضي في طريقه كالسهم الذي لا يخطئ هدفه. الزمن أعدل الأشياء قسمة بين البشر، فأنت وأنا والآخر نعيش عمرنا المقدر في أربع وعشرين ساعة يوميا واثنا عشر شهرا سنويا، ذلك تقدير العزيز الحكيم. الزمن يمضي، يعلمنا دروساً كنا نجهلها، ويُكسبنا تجارب نحن في حاجة إليها لمواجهة قسوته، ويبين لنا أن وجوده بيننا مهم لنا في كل ثانية ودقيقة وساعة.
لا أرى فائدة في الاحتفال بتقدم الزمن في عمره، بل الاحتفاء يكون بالذات التي تسبح في هذا الزمن السحيق. ذاتك هي التي تتغير، أما هذه السنة والأخرى والسابقة والتي بعدها لا تعدو أن تكون مجرد أرقام تتغير، تعكس دوران الأرض حول الشمس مع بقية الكواكب والأفلاك في مجرة صغيرة.
إن التغيير يبدأ منك وينتهي إليك، قد يكون فكرة سلبية تؤمن بها تؤثر في أفعالك، وقد تكون عادة ضارة تنحو بك نحو الهلاك، وقد تكون مهارة تحتاج إليها لتطفو بك إلى السطح وتنقذك من الغرق في الوحل. إن الزمن كفيل بتغيير شكلك وفكرك وحياتك؛ إذا ما فهمت رسائل الأيام وتشربت معاني المواقف التي تعيشها والتجارب التي تمر بها.
ومن الناس من عاش دهرا بقي حاله كما هو عليه، ذلك أنه بقي على أفكاره العتيقة وعاداته النمطية، ولم يمتلك الشجاعة اللازمة لكسر نمطيته الرتيبة و روتينه الممل. ومضي العمر يُساهم في نضجنا إن نحن تعلمنا من دروس الأيام وعبر الشهور، وخضنا كما خاض من سبقونا في تجارب قد تكون فاشلة أو ناجحة تكسبنا معنى لعيشنا وغاية لوجودنا.