المتلازمة هي الأعراض المتكاملة التي تدل على اضطراب معين. فمنذ نهاية سنة 2019 وخصوصا في الآونة الأخيرة أصبح يسود شعور غريب في المجتمع؛ يتجلى في أن الحياة قبل نهاية هاته السنة كانت أحسن وأجمل، كأن عنصرا ما في الإعدادات تغير أو لم يعد موجودا بالأصل، أفقد البوصلة ومعالم الحياة الطبيعية والمتكاملة. بل أكثر من ذلك، فالبعض لم يستوعب كيف مرت أربع سنوات على هاته السنة. مما جعل الإنسان يظن باستمرار أن هناك خطأ أو شيء ما يلوح في الأفق، فقد أصبح البعض يعاني من اضطراب وقلق مستمر نتاج هذا الشعور، وهنا يكمن وجه الشبه بين هذا الأخير والمتلازمة الطبية.
فعموما هو موضوع كبير جدا معقد وعميق ويحتاج إلى دراسة من مجموعة من الحيثيات والجوانب من علماء وباحثين. إلا أن هذا لا يمنع من استنتاج وتحليل بعض الأسباب التي قد يكون من شأنها المساهمة في الوضعية الراهنة، فكمية الأحداث بعد سنة 2019 لا يمكن الاستهانة بها ولعل أهمها جائحة كورونا والحجر الصحي وتأثيرهما الكبير جدا على النفس البشرية، وهذا يدعونا إلى التساؤل عن حجم الضرر الذي خلفته هاته الجائحة في النفوس البشرية. فالإعلان عن العدد المتزايد للإصابات والوفيات بشكل يومي خلف شعور قلق وهلع كبير عند الشخص فأصبح يحس دائما أنه قريب جدا من الموت أكثر من أي وقت مضى، مما شكل ثقبا نفسيا عند الكثير. أم أن ما نعيشه اليوم هو نتاج تسلسل مجموعة من الأحداث عبر الزمن آتت أكلها في السنوات الأخيرة منها ما تمثل في التغيير الجذري في البنية المجتمعية وفي العديد من المجالات الأخرى، بسبب عدم تماشي النموذج القديم مع التغيرات الراهنة رغم أنه أكثر فعالية، إلا أنه غير كافٍ لمسايرة الظرفية الحالية ووجب استبداله بنموذج حديث مناسب رغم أنه أقل فعالية. فمثلا رجل كان يعطي كلا من أبنائه الثلاثة كوبا من الحليب الخالص (النموذج القديم) لكن عندما ازداد عنده ابن رابع اضطر أن يخلط الماء بالحليب لكي يوفر كوبا لكل واحد منهم في ظل ثبات الموارد (النموذج الحديث)، ولعل أكثر من شعر بهذا التغيير هم جيل التسعينيات والأجيال التي قبلهم لأنهم أكثر من عايش كلا النموذجين.
العولمة هي الأخرى لا يمكن أن نغفل عن تأثيرها الرهيب الذي أصبح يوما بعد يوم ينغرز في المجتمع، ولعل أكثر تجلياتها وجانبها المظلم مواقع التواصل الاجتماعي الذي أصبح سرطان الوقت، فأصبحنا نقضي ساعات طوال كأنها دقائق دون الشعور بذلك، كما أصبحنا نستهين بالمواقف والأحداث المختلفة على هاته المنصات التي قد يكون من شأنها تغيير الطبيعة البشرية وقتل بعض الصفات لدى الفرد فلكل فعل ردة فعل في النفس البشرية، فقد أصبح الشعور بالسعادة والحزن الغضب في ظرف وجيز، كالفرح لأحد الاصدقاء تخرج وفي نفس اللحظة وفاة شخص آخر وقس على ذلك.
إلا أننا رغم ذلك نعتبر جيل أكثر حظا من الأجيال القادمة، ربما ولو في هذا الجانب على الأقل لأننا أعطينا ألعابنا قيمة أكثر ولم نقم برميها جانبا للإمساك بالهاتف. وهذه جريمة في حق الأطفال من طرف الآباء، فإعطاء هاتف للطفل في سن السنتين لكي يكف عن البكاء أو إلهائه حتى يتسنى للأم أو الأب القيام بأعمالهما يساهم في كثير من النتائج السلبية على الطفل، من حيث الشكل حيث أصبح الطفل يتنقل بين المواقع والتطبيقات بشكل سهل وسلس دون صعوبة وهذا قد يدمر لدى الطفل مجموعة من الملكات، فيصبح من الصعب لديه أخذ كتاب وتصفحه دون الشعور بالملل أو الصبر على تعلم مهارة جديدة، ومن حيث المضمون فمحتوى مواقع التواصل صعب هضمه من قبل الفئة الراشدة فكيف من الأطفال، وأنتم تعلمون محتوى اليوم والرسائل التي تمرر كل ثانية.
ختاما، فالرجوع إلى هويتنا الثقافية والأصل وتبني بعض السلوكيات المحددة أصبح حيويا في هذا الزمن وأكثر أهمية من أي وقت مضى، كقنينة ثنائي أوكسجين عند غطاس بحر أو الدواء الموسع للقصبات الهوائية عند مريض ربو، ربما ليس لتغير هاته النتائج لأننا أصبحنا نعيش توجه وليس وضعية راهنة فقط، لكن من أجل تخفيف من حدتها ولو قليلا وتقليل من جو السلبية الذي أصبح يسود في الآونة الأخيرة، كممارسة الرياضة، تنظيم ساعات النوم والتقليل من مواقع التواصل الاجتماعي إلى أقصى حد ممكن المحافظة على الصلاة، تنظيم الحياة العامة بدءا من أنفسنا وأيضا الخاصة كانتقاء الأصدقاء في ظل ضيق الوقت وقوة العرض اعتماد نموذج قوي وأكثر مردودية، عيش كل لحظة بلحظة وعدم انتظار المرحلة الآتية للشعور بالسعادة القناعة والاستقرار لأن السعادة قد تكون مفخخة بالإحباط في ظل عدم وصول الأهداف المنشودة أو عدم الاقتناع بالنتائج، فمزدوجة (فشل، هدف) رغم تناقضها ظاهريا إلا أنها تخفي في طياتها تناسقا إلى حد كبير لأن الفشل في كثير من الأحيان هو جزء من الخطة الذي لم نبرمجه للوصول إلى أهدافنا.
وختاما بوصايا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ).