متعة التجول في العقول
لطالما استوقفتني مقولة جورج برنارد شو، التي يقول فيها إن الصمت يمنحك متعة التجول في عقول الآخرين، يمكنني الجزم بأن قوله صائب إلى حد كبير، جرب أن تصمت وتتأمل ما يقوله الآخرون بكل روية، وبقراءة فاحصة لتعابيرهم، ولكل كلمة مختبئة وراء السطور ولكل إيماءة صادرة من المتكلم، جرب فقط أن تصمت وتترك الآخر يتكلم كيفما شاء، حينها سيكون أن فهمك له أعمق، ستعرف ما يخفيه وما يريد إظهاره، وستفهم كذلك لماذا اختار الصمت على الكلام وما هي المشاعر المهيمنة عليه أثناء كلامه، وستكتشف أخيرا أنك كنت تتجول خلسة في عقله دون علمه، طبعا أنا فعلت هذا مرات عديدة ليس لأنني أردت ذلك، لا، أنا فقط انطوائية صامتة تعيش في الداخل أكثر منه في الخارج.
صفة الانطوائية هي التي تمنحك هذه المتعة فضلا عن متع أخرى متعددة، وما يجعل من الانطوائي شخصا صامتا ليس زهده في الناس أو كما يظن البعض، أو خجله في المجالس، بل لأنه يفضل أولا أن يناقش المواضيع مع ذاته قبل مناقشتها علنا، وفي كثير من الأحيان هو صامت ومنعزل لأنه لم ينه بعد نقاشاته الداخلية، وبالتالي إذا أردنا أن نعرف إنسانا انطوائيا يمكنني القول بأنه شخص يعيش داخل نفسه يفهم ويفسر ويحلل ويؤول حتى يقتنع لا يتكلم إلا للضرورة، وإذا تكلم بلغ رسالته باقتضاب، ولا يخفى عليكم أن الشخص الذي يحمل هذه المميزات إذا تحدث استمع له الناس.
مقالات مرتبطة
لكن دائما ما أجد الكثير من الأشخاص الانطوائيين يعانون من مضايقات فهم في نظر البعض غامضون، أو متكبرون أو أنهم يعانون من عقد اجتماعية، لكن على العكس من ذلك فالانطوائي هو شخص طبيعي دفعه اختياره للصمت والعزلة إلى أن يصبح في نظر البعض شخصا غير طبيعي، ولعل هذا ما يدفعنا إلى البحث علميا عن الانطوائية وما هي مميزات هذه الشخصية.
نجد أن الباحثة دومينا بيتريك في مقالتها الانطوائي والمنفتح والغامض، تعرف الانطوائية على أنها “حالة اهتمام الفرد في الغالب بذاته العقلية، عادةً ما يُنظر إلى الانطوائيين على أنهم أكثر تحفظًا، كما وصف بعض علماء النفس المشهورين الانطوائيين بأنهم أشخاص تميل طاقتهم إلى التوسع، مزايا كونك انطوائيًا هي القدرة على التفكير، وأن تكون وحيدًا وأن تعمل باستقلالية، قد يكون الأشخاص الانطوائيون ناجحين كالفنانين والكتاب والعلماء والملحنين والمخترعين، كذلك الأمر في المهن المماثلة، والتي تتمتع بقدرات التفكير القوي والعمل المستقل”، تجدر الإشارة إلى أن الانطوائية ليست حالة مرضية بل هي سمة شخصية يتميز بها بعض الأشخاص عن غيرهم، لذلك إذا كنت انطوائيا أو أحدا من أفراد أسرتك كذلك، لا تقلق فهذا أمر طبيعي، وأدعوك لقراءة كتاب سوزان كاين قوة الانطوائيين التي وضعت في أوله ستة عشر سؤالا، يمكنك الإجابة عنهم لمعرفة ما إذا كنت انطوائيا أم لا.