تضرّع لجَنانك

عن لياليك التي كنت تخيط إبانها ليلك نهاره وأنت تصيح ملء حنجرتك من وجع يشق صدرك، مخنوقا من غصة في حلقك تتجرعها كل شهيق وزفير لتنتهي باكيا عولة وتغرق وجهك في وسادة مالحة بالدموع من فرط النشيج والأنين.

عن كل شعور عالق لا يمر وكأنه أخطبوط متشبث بأذرعه بعيداً في أعماق المحيط المظلم عن مجهول كامن، عن كل سؤال ذبح صاحبه وهو بصدد التنقيب عن جوابه إذ ارتوى من مرارته واكتفى بالتباسه واستعصائه ثم عن كل لقاء بلا موعد وفراق بلا ذريعة ولا مبرّر.

عن كل يوم مبهج رجوت أن يطول نهاره ولا يحل ليله؛ بغية التنعم بكل لحظاته، عن كل أغنية تسمعها ترمي بك وسط عالم وردي وتلقي بك جوف المسرّات وعن كل لذة تعتري من أي ندم أو تردد ثم عن كل من حرم عنك الابتعاد وأنار باهتمامه ظلمتك. عن كل سلام داخلي في أعلى مراتب السلام ظاهرا وباطنا تفطنه وأنت موازيا بين فؤادك وجوهرك، عن كل حديث مع روح تغنيك عن أي كيان آخر وتزيلك من مستنقع الغرباء، عن كل نبض يخفق لمحياك ثم عن كل استيطان بطيئ كونك توأم روحي.

عن ذاك الحنوّ الطفيف والصنديد في الآن ذاته؛ الذي يجعلك تعتري من كل ما تملكه كمن آل إلى المنعطف رغم جزمه بهُيامه لكنه تخلى عن خاتم خطوبته بعد حدس خال من أي دليل، وسحيقا عن أي نقاش نأى وهو مقتنع أنه الحل الأنسب لكيانه؛ لن ألومه له مكتمل الحرية في انتقاء طريقه والحكاية ستضل قائمة ما دامت المشاعر حية كما أن الحدس لا يأتي من العدم؛ فالحب لعبة للشجعان حرب أو استسلام لصلب الروح، خوض لغمار مجهول نحو هاوية الأسى أو الأمل، ثم اختبارا على حافة مذبحة العزاء تدفن أو تخلق من جديد.

مقالات مرتبطة

أناي

راحة البال

عن كل رد كتمته وأنت كلك تتوق للإجابة بل أخطت ثغرك والتزمت الكظم روْم أن لا تجرحه بسماجة الرد وقابلت كل أذى وملمّة بالصمت والوجم، وفي المقابل عن أي استفسار أو استفهام لبّيت طلبه وشفيت غليل فضول سائله ولم تتركه قط، وهو في أمس مخْمصة وشطف.

عن كل كلمة تفوهت بها بصدق وإخلاص حتى أضحت كلمة طيبة أعانت سامعها، أيقظت نائمها وشجعت محبطها، أجل إنها تفصيل صغير يستهان ويستخف به وسط حديث حليل بيد أنها كانت كفيلة بتغيير مجرى حياة أُناس، قوْل نزْر إن ذُكِر في أوْن أهل وملائم استهوى صاغيه.

محطات عدة استنزفني بعضها وتغطرسني بعضها، بيد أنه لا تلتكّ الأحداث أو الأيام عندي فيتوه مني بعضها فلا زالت وسأزال بإذنه محتفظة ومدخرة لكل شزر من نهرها ولياليها، ياما أيام رجوت محوها من ذاكرتي كأنها لم تقع قط وياما أخرى وددت دوامها في حين أن تذكار أمر ما غمّض كان أم مبهج يبقى راسخا لسبب ما، لكني عن نفسي لن أترك للتاريخَ حيزا أن يسجل نشبا وقع محبورا كان أم شجيا في أوراقِ ذكرى يُبليها الزمن وتكرر على ألسنة هزّال لا تتلذذ أفواههم إلا باللغو فهنيئا لمن تنعم بالوجوم واكتفى بتحديد مصير حياته فقط وهو في غنى عن الآخرين مكتفيا بمولاه عز وجل فقط.

إجمالا وكي أكون أمينة وبصريح العبارة التاريخ لا ينساك وإن نسيته، فهو لا يذكرك كي يثني عليك إنجازك العظيم ولا يزرى لجُناح صنيع أخطأته، إنما هو يخط لك كل ما ترتكبه أناملك وجوارحك حتى تتصفحه مطولا متى ما شئت ويترك لك كامل الحرية في الافتخار والاعتزاز أو الحسرة والندم في حين أنه الأنبل من هذا كله أنه يلقنك حكمة لا ولن تقتبسها ما دمت لم تقف صامدا وأنت تسترجع ذكرياتك العابرة وتشفي جروحك الغائرة.

اسأل نفسك ماذا تبقى لك من مهجتك إن كانت مقطعة أوصالها بين سنوات عمرك الفائتة ومطموسة جوف الحسرة والتعاسة؟ هي مسألة وقت وكفى. كن أنت الزعيم لحياتك وتاريخك وسجله كما شئت ثم امح منه ما لم يرقك، تعشّق في التاريخ لأنه ملكك وحاصلة خطاك، ولا تجلب من الذكرى ما يرهق فؤادك وفطنتك إلا إن اقتضى وللضرورة أحكام.

1xbet casino siteleri bahis siteleri