قراءة في كتاب: بينما ينام العالم للكاتبة الفلسطينية سوزان أبو الهوى

5٬451

المكان: فلسطين
الزمان: قيام دولة إسرائيل حتى سنة 2002
أبطال الرواية: أربعة أجيال فلسطينية متتالية

هذا المثلث كفيل بأن يمثل لأحداث رواية رصعت في جبين ذاكرة عائلة أبو الهيجا التي عاشت في قرية عين حوض وأنجبت أربعين جيلا من الحياة المعمرة، والتي ستدفن حية بعد قيام إسرائيل سنة 1948، ليتم ترحيل أبناء قرية عين حوض قسرا عن بكرة أبيهم وأرض أجدادهم نحو مخيم جنين حيث جرد كل فلسطيني من شيء يسمى الوطن، إلا أن ذلك لم يكن سدا منيعا يحول دون وجود روابط غير منطوقة شكلت ولا زالت تشكل وطنا وخلاصا للفلسطيني.

تجاذبت الرواية قصة أجيال من عائلة أبي الهيجا حين زارها تاريخ لم يكن تاريخها، وعلى لسان الأحفاد الثلاث: إسماعيل ويوسف وآمال نتعرف على القضية الفلسطينية والصراع الذي حدد مصير كل واحد منهم، والآلام التي تلقي بظلالها على مجازر دموية يأبى التاريخ إلا الاعتراف بوحشيتها: مجزرة صبرا وشاتيلا بلبنان، أحداث الانتفاضة، مجزرة مخيم جنين..

يمكن القول بأن الرواية بحبكتها وبراعة كاتبتها هي مرآة تعكس واقع الإنسان الفلسطيني، الذي يحمل عبئا يتجاهله العالم، وهو ما يتجدد اليوم في الواقع الغزاوي ويشكل استمرارية في سلسلة الصمود الفلسطينية، والسعي نحو نسج الهوية مما تبقى وسط كل هذا الركام والألم الفلسطيني. فبينما ينام العالم، يشق بطن فاطمة وهي حامل وقتلها هي وجنينها في الرواية، ويتجسد نفس المشهد واقعيا اليوم في غزة.

مقالات مرتبطة

فبينما ينام العالم، تموت عائشة ذات الثلاثة أشهر بشظية في بطنها في الرواية، و يموت اليوم آلاف الأطفال والرضع والخدج في غزة. فبينما ينام العالم، يدفن الحاج سالم حيا في بيته بعد هدمه بالجرافة له في مخيم جنين، ويهجر آلاف الشيوخ عن بيوتهم وتقتلع جذورهم اليوم في محاولة لطمس هويتهم، في حرب لا تميز الصغير من الكبير، وتأتي على الأخضر واليابس. فهذا ما يعنيه أن يكون المرء فلسطينيا وسط السبات العميق للعالم، فحتى لو نسي هذا الأخير فإن جنين لا تنسى وغزة لا تنسى وفلسطين لا تنسى.

فكل سطر من الرواية أبى إلا أن ينطق باسم الهوية الفلسطينية؛ ذاك الرابط المقدس الذي يطل علينا من غلاف الرواية في صورة طفلة فلسطينية، التي هي فلسطين بعينها، تحدق إلينا بنظرات مختلطة، وتحرج أمة بعجزها، بأسرها… وتؤكد أن ذاك الرابط يتسلل من الأبواب وخلف القضبان والحواجز، وينفذ من تنهيدة ذاكرة ومن نسيم الزيتون ورمل متناثر ليرسم صورة الفرد الفلسطيني والشعب المستميت.

وحيث لا تندمل الجراح ينبثق الأمل الفلسطيني حتى في اسم علم: “لقد سميناك آمال بالألف الممدودة، لأن الاسم بالهمزة يعني أملا واحدا فقط. أمنية واحدة، أنت أكثر من ذلك بكثير، وضعنا كل آمالنا فيك، آمال بالألف الممدودة تعني: الآمال، الأحلام، كثيرا منها.”

صفوة القول، عندما تتكلم فلسطين في رواية، فتلك هي الحقيقة والحجة الدامغة.