بين الهزيمة والعزيمة

منذ أن خلق الله الإنسان، خلقه في كبد، في تعب وعناء، منذ القدم والإنسان في صراع مع ذاته، ومحيطه، ورغباته وشهواته، كما أن هناك قانونا سائدا في الحياة استمر وسيستمر إلى الأبد وهو أنه لا شيء يدوم ولا شيء يبقى ثابتا في الحياة إلا التغير المستمر الناجم عن تغير في الظروف والأحوال.

إن الحياة عبارة عن دالة متغيرة ومتقلبة، وكما يقال “دوام الحال من المحال”. في الحياة نذوق بين الفينة والأخرى طعم الفشل، مما يدفع عدة أناس إلى الخوف من المحاولة التي من المحتمل أن تنجح أو تفشل، ليبقى المرء حائرا، بين سندان الخوف ومطرقة الفشل. يفضل أغلب الناس عيش حياة رتيبة لا صعود ولا هبوط فيها، لا انتصار ولا هزيمة وهذا من ضروب المستحيل، لذلك، إذا فكرنا سويا سنجد أننا نتأرجح بين الهزيمة والنجاح، وللأسف هناك من يستسلم بمجرد أنه انهزم مرة ويخشى أن يحاول مرة أخرى ويهزم مجددا وينقلب خاسرا. لكنه في كلتا الحالتين يكون خاسرا لأنه فضل أن يبقى في قاع الهزيمة بعيدا عن المحاولات، بعيدا عن النجاح، والحال أن أضعف الإيمان الخروج بالتعادل ودون خسارة.

في المقابل، هناك صنف آخر من الناس أكثر حكمة، صنف يعرف من أين يؤكل الكتف، يحتفظ بالأمل إلى آخر رمق، يدرك أيما إدراك أن الهزيمة والانتصار والنجاح والفشل ضرورة طبيعية تحدث لأي شخص في هذه المعمورة، وبواسطة هذا الإدراك يصبح قادرا على استدراك ما فاته وتصحيح ما أخطأ فيه وإصلاح ما أفسده. هذا الشخص بالذات، بإمكانه أن يحول الهزيمة إلى فرصة، والفشل إلى محطة للتداريب المكثفة لكي يصبح أكثر صلابة وقوة مما كان عليه سابقا، يحاول أن يصلح أي خطأ كان سببا في هزيمته حتى لو كانت لتط القشة التي كسرت ظهر البعير، وبالموازاة مع ذلك يعاهد نفسه على ألا يرتكب مجددا نفس أخطاء الماضي.

هذا هو الفرق بين شخص يرى أن الهزيمة ضربة قاضية ويتعايش معها، ويعيش حياته في بأساء وتعاسة، وبين شخص آخر يرى أن الهزيمة ما هي إلا فرصة لكي يعود لسكة الانتصارات لكن بشدة أكثر من الأولى. هناك من يرى أن الظروف الصعبة هي ما يصنع الفاشلين والمنهزمين، وهناك من يعتقد أن الناجح وجد طريقا محفوفة بالأزهار ولم يواجه أي تحد في حياته، معتقدين أنه وصل بضربة حظ، أو أنه استعمل عصا سحرية جعلته في تلك المكانة التي هو عليها، لكن الطريقة الوحيدة التي جعلته كذلك هي العمل والجد والاجتهاد.

مقالات مرتبطة

أناي

راحة البال

إن البحار الهادئة لا تصنع بحارا ماهرا، وهذا كناية عن الخروج من منطقة الراحة والمغامرة والتحديات المتتالية ومكابدة الصعاب والصبر واليقين بالله هو ما يبني الشخص الناجح. لهذا، فالسبيل إلى القمم سبيل شاق وطويل مليء بالمتاعب والمغامرات والمخاوف والصعوبات، مليئ بالإكراهات، لكن من يطلب المجد والنجاح لا يبالي لمثل هاته الأمور، لأنها أمور عادية لا بد منها في حياتنا، من يطلب العلى يواجه هذه المشاكل بالشجاعة والعمل الجاد والجد، وقد قيل قديما “أتعب قدماك فإن تعبا قدماك”. لذلك يجب على من يشق طريقه نحو القمة أن يتجرأ على فعل ما لم يفعله في الماضي لكي يحصل على نتائج لم يحصل عليها قديما؛ نتائج عظيمة وإنجازات كبيرة لا تقارن مع الإنجازات السابقة، أن يستمر هكذا، أن يبقى جائعا متعطشا للمزيد من النجاحات، وألا يجلب له نجاحه الغرور والثقة العمياء، بل يجب أن يستغل نجاحه لكي يجذب نجاحات أخرى وإنجازات أكبر.

إن الهزيمة ليست عيبا ولا دليلا على أننا فاشلون، الهزيمة مرحلة فقط وفترة يجب استغلالها بشكل جيد لتوليد عزيمة كبيرة وإصرار أكبر لتحقيق ما نصبو إليه. ويجب كذلك أن نعمل بجد مرة أخرى وألا نخشى الفشل، وأن نتوكل على الله عز وجل وأن نأخذ بالأسباب اللازمة التي ستساعدنا على شق سبيل جديد نحو النجاح والفلاح. وإياك أن تيأس وتضطرب، تذكر كم من عالم انهزم مرارا وتكرارا وأعاد الكرة ونجح باستحقاق ولك في قصص الناجحين عبرة وخبرة.

ختما، اطمئن، امسح دموع الخسارة وركز وأحكم خططك وارسم أهدافك وابدأ من جديد، تفاءل بالخير تجده أمامك، اعمل بجد وبجهد واعقلها وتوكل. لا تخش الفشل لأنه محتمل، بل ضروري في حياتنا ومفيد لنا، هو المنبه الذي يوقظنا من الغفلة ويعيننا على مواصلة السير إلى القمم ولكن بطريقة صحيحة، وفعالة، وذكية، إنه معامل التصحيح يصحح لنا بعض الأخطاء، عليك أن تحذف مصطلح الفشل من قاموسك لأن في الحياة ليس هناك فشل، نعم قد يكون مؤقتا لكنه يفيء بالغرض، يعلمك ما كنت تجهله، يريك من أنت، ويعرفك على نفسك، يجعلك أقرب من نفسك، وأقوى وأشرس من الماضي، لا أخاف عليك من الفشل، بل أخاف عليك من اليأس الذي يقودك إلى الاكتئاب والذي يودي بك إلى التحسر والحزن والعيش معيشة ضنكا بسبب ردة فعل مبالغ فيها من لدنك.

1xbet casino siteleri bahis siteleri