“آكلو البطاطس”:هل هذا هو الطعام الذي يستحقونه ؟
كثيرون من كتبوا عن “آكلو البطاطا” للفنان الهولندي فان غوخ، أن هذه اللوحة العبقرية المظلمة في ألوانها والكئيبة في شرحها الغائر فيما تشهد من جزئيات ودقائق، تستحق الإسهاب والبسط في تحليلها، بل ويستوجب وبجدارة إدخالها المناهج المدرسية لما فيها من أبعاد إنسانية ورموز تاريخية وعمق غير محدود لفكرة الإنسان المنسي، مرورا بمظهر من مظاهر الفقر في صبره وصلاحه الاجتماعي الذي يغوص في ضميره الإنساني، وانتهاء بمستوى العدالة أو مقدارها في عالمنا الذي نعيش فيه.
هذه واحدة من مئات المقدمات التي كتبها العديد من النقاد المحيلة على الرسائل الإنسانية المختلطة مع الصباغة الزيتية.
قد تنتمي هذه القطعة الفنية إلى ذلك النوع من اللوحات التي لا تنجذب لها العين بسهولة، فجوها يبعث على الكآبة وملامح شخوصها قاسية بل ذميمة إلى حد ما. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في تفاصيلها هو مصباح الزيت المعلق من السقف والطريقة البارعة التي وزع بها الفنان الضوء على زوايا الغرفة. كما يمكننا القول إن فان غوخ وضع هذا النور ليضيء به نظرات الشخوص الساهية والمنهمكة. ضوء من مصباح زيتي أعلاهم وكأنه شعاع يبتغي ضياء هذه اللوحة، ياله من تأثير ضوئي ساحر دال على الدقة التأملية للفنان!
وكما ورد في عنوان اللوحة: طبق رئيسي مكون من البطاطس والقهوة الرديئة، حيث أنتجت الأراضي الهولندية ألذ وأشهى ثمار البطاطس آنذاك، فقد كانت جزءا أساسيا من المطبخ الهولندي، وكان لها إقبال كبير من الطبقة الوسطى والفقيرة خلال القرن 19م، فأصبحت بديلا للخبز والعصيدة الخاصة بالفقراء كما في المعتاد، بعد ضعف المحاصيل وارتفاع أسعار الحبوب. ولا بد أن نشير إلى أن الترجمة الحرفية للبطاطس بالهولندية هي تفاح الأرض، وهذا ما يدل على تعود الفقراء عليها بعد تشبيهها بحلاوة مذاق التفاح لتصبح بذلك رفيقة القهوة لا الخبز.
ومعروف أن الفلاح خلال القرن 19م وحتى قبله، يعمل من الشروق إلى الغروب مقابل وجبتين من الطعام، حيث لا تأمين صحي ولا إجازة أسبوعية. وفي هذا السياق لا يمكننا تجاهل ذكر الفلاح الفرنسي وتساؤل الاقتصاد السياسي الذي وُسم بـ “العلم الكئيب” وفي خلاصته؛ هل الفقراء فقراء لأنهم جهلة، أم أنهم جهلة لأنهم فقراء؟ ويمكننا أن نجيب عن هذا التساؤل بالموازنة بين الاستقلال البهيج الذي يفاخر به الفلاح الفرنسي وحالته في القرن 18م. ومع كل ذلك، لم يفق وضع الفلاح وضعية العامل الكادح قساوة.