عدو فكرتي.. ليس بعدوي
قبل عدة أيام حضرت لأحدى الندوات، كانت لكاتبة مغربية قدمت خلاله كتابا قيما صدر مؤخرا لها، كان لقاءا ثريا وغنيا معرفة وثقافة وتجديدا وفكرا.. حتى جاء وقت المداخلات لتنشب حرب نوعا ما غبية بين شخصين من الحضور، الذي قد يعتبر ملما نوعا ما بالثقافة وما يقرب إليها من قول وعمل، حول من صاحب الفكرة الأعمق والرأي الأصح ومن له الأحقية في الكلام، لتعم الفوضى ويترك أغلب الحضور المكان بسبب مراهقين فكريا يحاولون فرض أفكارهم بصوت عال. يا للخجل.
منذ الطفولة ونحن نتابع برامج الرأي والرأي الآخر التي يتقابل فيها شخصين أو أكثر كل بفكرة معينة مختلفة سياسية أو دينية أو اقتصادية.. لينهوا اللقاء سبا وقذفا و تراشقا بالأكواب وضربا بالكراسي. فكان وصف عامر جلال لهذه السلوكات “الهيطوكية” الأشد سخرية والأقرب للواقع -مع الأسف – حين قال : “نحن ديموقراطيون جدا، نبدأ مناقشاتنا بتبادل الآراء في السياسة والإقتصاد وننتهي بتبادل الآراء في الأم والأب.”
من الأحمق الذي أغوى البشر وأقنعهم أن الصراخ والسب وسيلة جيدة لإقناع الطرف الآخر ورده عن غيه وباطله، ومن المجنون الذي يتصور أن كل ما عنده حق مطلق وأن مهمته هي توجيه البقية وإرشادهم ممن يعيشون في ظلمات أفكارهم وجهلهم المبين، ومن البليد الذي يجعل الفكرة سببا في كره أعمى وحقد وعداوة. الذي يرفع صوته أمام الخالف له أجده – وقد أكون مخطئة – ناقصا، ربما ناقص رجولة أو ثقافة أو ثقة فيحاول تدارك الأمر بهذه الزوبعة والصراخ حتى لا يلتفث الأخرون لما ينقصه..
الفكرة تبقى فكرة، تتكون بفعل العوامل الإجتماعية، النفسية، السياسية والدينية.. ولا دخل لها بالمحبة والكره والعداوة والحقد، أما من يبني عداوات وسلسلة صراعات طويلة بطول مسلسلات الأتراك الرومانسية بسبب اختلاف وجهات النظر، فمسكين لُعب بعقله وتصور أنه ذو نبوة وحجة وبرهان وجب لمن دونه الإذعان له.. ويا للسخف.
الإختلاف في الأفكار والتفسيرات والاستنتاجات ليس مصيبة ولا حربا ولا يجب أن يكون فهو الأصل في يقضة الفكر وتجدد الوعي وتطور الحياة كما قال علي حرب، وهو الدينامو المحرك لكل حركة تجديدية وتنويرية على اختلاف الشعوب والحضارات. لكن تصريف الإختلاف بشكل غير أخلاقي وأناني هو الذي يجعل منه سببا في دمار العلاقات وتمزق الإنسجام.
عدو فكرتي ليس عدوي ولا غريمي ولا خصمي، ومن نختلف عنه في فكرة قد نتفق معه في أخرى، فيبقى الأهم كيف نصرف اختلافنا وكيف نحترم إنسانيتنا عند الإختلاف، فأنا لست مضطرة لأكون نسخة منك ولا أنت مجبر على أن تكون نسخة مني أو من والدك أو أستاذك أو حبيبتك.. لكننا مجبرون جميعا أن نحترم إختلافاتنا وأفكارا تناقض أفكارنا ومعاني تناقض فهمنا.. تماما كما نحترم ما نعتقده ونؤمن به.