ماذا يعني ترسيم اللغة العربية في الأمم المتحدة والاحتفال بها مرتين في السنة؟

1٬309
جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 3190 (د.28)، الجلسة العامة رقم: 2206 بتاريخ 18/12/1973م ما يأتي: “إنّ الجمعية العامة إذْ تُدرٍك ما للغة العربية من دور مهم في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته، وإذْ تدرك أيضا أنّ اللغة العربية هي لغة تسعة عشر عضوا من أعضاء الأمم المتحدة (عدد الأعضاء سنة 2013م: 22)، وهي لغة عمل مقررة في وكالات متخصصة، مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة العمل الدولية، وهي أيضا لغة رسمية ولغة عمل في منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقيّ حاليا”2013م)، وإذْ تدرك ضرورة تحقيق تعاون دوليّ أوسع نطاقا وتعزيز الوئام في أعمال الأمم على وَفْقِ ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة…، تقرر إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسة، والقيام ِبناءً عليه، بتعديل النظام الداخليّ للجمعية العامة المتصل بالموضوع.
وفي إطار الاحتفال باليوم الدوليّ للغة الأم، وبِناءً على مبادرة من اليونسكو، تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 ديسمبر/ كانون الأول من كل سنة، باعتباره اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسة. وقد حددت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فاتح مارس من كل سنة، للاحتفال باللغة العربية.
وبعد الإشارة، إلى القرارات الخاصة بترسيم اللغة العربية أمميا، والاحتفال بها سنويا، دوليا وعربيا، ارتأيتُ أن أجيب عن السؤال الوارد في العنوان من خلال مقتطفات من مقالات منشورة في ثلاث صحف عربية، لعل القارئ الكريم يدرك بعد قراءتها أن اللغة العربية فرضت نفسها على العالم، لِما تتمتع به من مقومات تجعلها تحتل المكانة اللائقة بها بين لغات الأمم، وذلك على الرُّغْم من تقاعُس الناطقين بها عن استعمالها، في التعليم الجامعيّ، وفي بعض المرافق الحيوية الإدارية، وتشكيكهم في قدرتها على مسايرة التقدم العلميّ والتقانيّ (التكنولوجيّ). وذلك على النحو الآتي:
كَتَبَ نبيل بنعمرو، في مقال له بعنوان: العربية…تلك اللغة الظالم أهلها: “مما لا شك فيه أن اللغة العربية تمر من أزمة حقيقية تكاد تكون أزمةَ وجود من حيث استعمالُها وتداولُها بين العامة والخاصة. فهي شبه مُغيَّبَة في التعاملات الإدارية، وهي كذلك مُحْتقَرَة لدى العديد من المثقَّفين أو بالأحرى لدى أشباه المثقفين الذين أصبحت لديهم قناعة بأن التحدث باللغة العربية هو رديف للتخلف، وأن استعمال لغة أجنبية في الخطاب وفي الأحاديث اليومية يُعبِّر عن مدى انتماء الشخص إلى العصر وإلى الحداثة. والأدهى من هذا هو أن اللغة الأجنبية (الفرنسية تحديدا بالنسبة إلى المغرب) هي اللغة الرسمية في المعاملات التجارية وفي داخل الأسواق الممتازة والمساحات الكبرى بين المُستخدَمِين والزبائن، وبين المستخدمين بعضهم مع بعض، حتى أصبحنا نسمع النداءات، المنبعثة من البوق داخل السوق الممتازة، والموجهة إلى المستخدَمين والذين كلهم من اليد العاملة المغربية، تقال حصريا– باللغة الفرنسية…”!
ويقول سعيد سهمي: في مقال بعنوان: عندما تُحارَب اللغة العربية من طرف أبنائها، نُشر في”الأسبوع الصَّحَفِيّ” العدد 1059/622، بتاريخ 24 محرم 1432هـ/30/12/2010م: “أصبح واضحا لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أن اللغة العربية لا تُحارَب من طَرَفِ جهات أجنبية، ولا من طرف “اللوبيات الفرانكفونية” ، ولا من طرف دعاة العولمة؛ إنما من طرف “بيادق” (وطنية) نصبوا أنفسهم كمسؤولين عن العربية ومدافعين عنها، في حين أنهم هم الذين يدمرون هذه اللغة تدميرا، ويسعون بكل جهودهم إلى الحط من معنوياتها. رغم أنها قادرة على الدفاع عن نفسها بنفسها، بل أعتقد أن النهوض بها سيكون على يد (أعدائها) المفترضين. ففي جميع الدول الغربية تقريبا تدرس اللغة العربية في المعاهد أو الجامعات، لا لأبناء الجالية العربية والمسلمة فقط، وإنما يقع الاهتمام بها من طرف باحثين وأكاديميين ولسانيِّين، يدفعهم تارة فضولُهم العلميّ، وتارة رغبتهم في التعرف على جذور (الإرهاب)، وتارة أخرى إيمانهم بعظمة هذه اللغة التي صمدت زمنا طويلا بفضل بيانها وجماليتها. ولهذا يرى بعض علماء المستقبَليات أنه بعد خمسين سنة ستتبوأ اللغة العربية المرتبة الثانية بعد اللغة الصينية التي ستقضي حتما على مركزية الإنجليزية. وإنها لحتمية رياضية تنجلي معالمُها اليوم بفعل انحسار كثير من الثقافات واللغات الغربية بعد فشل أكاذيب العولمة وظهور بوادر التراجع الأمريكيّ في الاقتصاد والسياسة وظهور بنية سكانية أوربية شائخة، وصعود “تنِّينات” آسيوية شامخة، فضلا عن التطور الذي يعرفه الإسلام  يوما بعد يوم في الشرق والغرب…”.

وجاء في صحيفة “النهار المغربية” العدد: 2105 بتاريخ 29/03/2011م، بعنوان: الأتراك يتسابقون لتعلُّم اللغة العربية: “تعرف اللغة العربية في تركيا رواجا وازدهارا غير مسبوقين، منذ عدة سنوات، نتيجة الانفتاح التركيّ على العالم العربيّ في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، وخصوصا بعد إبرام اتفاقات تُلْغَى بموجبها تأشيرةُ الدخول مع عدد كبير من الدول العربية. وأوضحت صحيفة (زمان) التركية على موقعها الإلكترونيّ، أول أمس، أن إلغاء تأشيرات الدخول وتطور العلاقات بين تركيا ودول الشرق الأوسط، مثل:  سورية، ولبنان، والسعودية، والكويت، وليبيا، والعراق، أدَّى إلى زيادة إقبال المواطنين الأتراك على تعلُّم اللغة العربية. وأشارت الصحيفة إلى أن مركزا، لتعليم لغة الضاد، افْتُتِحَ من طرف غرفة الأسكندرونة التجارية بمحافظة “هطاي” جنوب تركيا”، لاقَى إقبالا منقطع النظير لدى المواطنين الأتراك. وشهد الإقبال على تعلم اللغة العربية في تركيا، خلال السنوات الأخيرة، مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة، وهو ما عزاه مراقبون سياسيون إلى تحسين العلاقات الثنائية والتجارية والسياسية بين تركيا والدول العربية. يُذكَر أن تعليم اللغة العربية موجود بشكل رسميّ في تركيا، لا سيما ضمن برامج الأئمة والخطباء، إلى جانب كلية الشريعة واللغة العربية وآدابها”.
ويقول عبد القادر الفاسي الفهري، رئيس جمعية اللسانيات بالمغرب، في مقال له نشر في جريدة “المساء” المغربية، العدد: 1686 بتاريخ 24/02/2012 م”…والمفارقة الغريبة التي كانت وما زالت تستعصي على فهمي هي أن العَقْد الذي هُمِّشَتْ (وحُورِبَتْ) فيه اللغةُ العربيةُ هو العَقْد الذي سجل أكبر الأرقام في انتشارها عبر العالم، وازدهارها تقانيا، وعدديا، واتصاليا، إلخ، مما جعل بعض الدارسين يرشحونها لأن تصبح إحدى خمس لغات عالمية كبرى وقُطبية، وهذا العَقْد هو الذي شهد بزوغ أكبر الفضائيات العربية وأجودها وأكثرها مصداقية في نقل المعلومة ويمكن قياسها عند المغاربة قياسا موضوعيا إحصائيا، إلخ. وهذا العقد هو الذي شهد ارتفاعا منقطع النظير لمستعملي الشابكة (الإنترنت) باللغة العربية، بحيث قفز عدد المستعملين من 2.5 مليون، سنة 2000م، إلى أزيد من 61 مليونا، سنة 2010م، أي: بزيادة 2500 في المائة. فهذه اللغة لها إمكانات عددية واتصالية وتقانية هائلة…”.
وبعد أن ذَكّرْتُ القارئ الكريم بمجموعة من القرارات والأفكار الخاصة باللغة العربية، بمناسبة الاحتفال بها في فاتح مارس، يطيب لي أن أشير إلى أنني كتبت مقالات كثيرة حول الموضوع يمكن الاطلاع  على بعضها في ُمُدَوَّنَتي” اللغة العربية أُمُّ اللغات”، وفي صفحتي على”الفيس بوك “، وعلى”تويتر”، وگوگل.  وفي الختام، وقياسًا على المعادلة المعروفة لدى الأطباء: مضْغٌ جَيِّد= هَضْم جَيِّد = صِحَّة جَيِّدَة، يُمكِن صِياغة معادلتيْن أُخْرَيَيْن، هُما:
1- تعريب الإدارة، في الوطن العربيّ = تقريبها من المواطن = تفاعُل إيجابيّ بين الحاكِم والمَحْكُوم = اختصار الوقت المُخَصَّص لإنجاز العمل = زيادة الإنتاج.
2- تعريب التعليم، في الوطن العربيّ = فَهْم جَّيِّد = اسْتِيعاب = إبْداع = تقدُّم علميّ = تَفاهُم جَيِّد بين المتعلِّمين، سواء أكانوا عَرَبًا أمْ غيرَ عرب؛ لأنّ كَسْرَ الحاجز اللغويّ هو اللبِنة الأولى في بناء وحدة وطنية قابلة للاستمرار، ولهذا فإن الدولة التي تريد أن تحافظ على وحدة مواطنيها تعلمهم جميعا بلغتها الرسمية، ولا تسمح بإعطاء الجنسية لأجنبيّ إلا بعد أن يتعلم لغتها. ولا يعني هذا، بحال من الأحوال، سَدَّ الباب أمام تعلُّم اللغات الحية الأجنبية. كما لا يعني عدم تطوير اللغات الوطنية الأخرى، إنْ وُجِدَتْ، وتخصيص البرامج المناسبة للناطقين بها. ونأمل أن يهتم العرب والمسلمون بلغة القرآن الكريم، ليواكبوا الاهتمام الدوليّ المتزايد بهذه اللغة الجميلة الخالدة المتألقة على مرِّ العصور. كما نأمل أن يهتم أصحاب القرار، في الوطن العربيّ، بهذا المطلب الملحّ؛ لأن المواطن العربيّ، في الوقت الراهن، يكاد يشعر بالغربة في وطنه، عندما يدخل إدارة أو مؤسسة تعليم جامعي ، ولسان حاله يردِّد ما قاله المتنبي، عندما وجد نفسه غريبا في شِعب بُوان بشيراز (فارس): “مَغَانِي الشِّعْبِ طِيبًا فِي المَغَانِي * بِمَنزِلَةِ الرَّبِيعِ مِنَ الزَّمَانِ. وَلكِنَّ الفَتَى العَرَبِيَ فِيهــَـا * غَرِيبُ الوَجْهِ واليَدِ واللّسَانِ.