السنة الماحقة

أيام معدودات فصلتنا عن نهاية سنة اتُّفِق على أنها صعبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. قد تكون للبعض سنة إنجازات نجاحات في مختلف الأصعدة مادية كانت أو معنوية، لكن الأغلبية أجمع على أنها من أتعس سنوات حياته. ها قد مضت وطويت آخر صفحاتها التي طبعتها سمة العلة القاتلة والأوقات العصيبة الماحقة. آخذين من طياتها دروسا قاسية وجب فهمها وتحليلها من أجل المضي قدما في حياة مزدهرة نشطة مطبوعة بسمة السعادة والفرح والنجاح ومخففة من الأعباء والتعاسة والمضايقات.

إن الحياة عبارة رياح تجري بما لا تشتهيه السفن، وذلك أمر محتوم فهذه سنتها وما نحن هنا إلا ونصارع هذه الرياح، تارة تطيح بنا وتارة نقاومها بكل ما أوتينا من قوة؛ فالتطلع إلى الأفضل أمر واجب والنظر إلى الأفق أمر ليس فيه شك، ذلك أنه يقوينا على النهوض مجددا بعد التعثر أو السقوط . لذلك وجب دوما التأقلم مع الوضع واستحضار أن كل مر سيمر ونعيش وفق نفسيتنا وغايتنا وتطلعاتنا، كما قال الشافعي:

دَعِ الأَيّــامَ تَــفــعَــلُ ما تَــشــاءُ *** وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ

وَلا تَــجــزَع لِــحــادِثَــةِ اللَيالي *** فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ

وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً *** وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ

وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا *** وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ

لا شك أن كل شخص يريد أن تمر السنة القادمة في أفضل حال من الأحوال ونطبق فيها الدروس التي تعلمناها من السنة الآنفة خصوصا. ولذلك وجب أن تنقل هذه الأفكار من الخيال إلى الواقع، وإلا فإن جل سنوات حياتك ستمر كئيبة لا مفر منها. عش كل يوم وكأنه آخر أيامك على هذه البطحاء، صارع كل فشل يأتيك واعمل بكل جد لأنه السبيل الوحيد لقلب مجريات الحياة رأسا على عقب. كان هنالك ملك أمر أن يصنع له أحد خدمه خاتم كتبت عليه عبارة إذا رآها حزينا يسعد وإن رآها سعيدا يحزن وقد كانت: هذه اللحظة ستمضي.

إلى قارئ أو قارئة هذه الخاطرة: إذا كنت تمر بوقت عصيب فاعلم حالا بأنه ماض ولا يستحق أبدا نكرانك لذاتك، واعلم بأن ما يقويك هو ما ستستفيده من هذا الوقت الذي تمر به الآن، أطلق عنانك لمخيلتك وذاكرتك، كن واثقا أنك ستتجاوز هذه المطبة بالعمل الجاد والعقلية المناسبة. وإلى حين سعادتك، اعلم أنه في يوم من الأيام كنت ممحوقا منهارا وها قد وصلت إلا ما كنت تراه صعب المنال. لذلك، تذكر دائما أنك المتحكم الوحيد بنفسك واستحضر دائما أن هذه اللحظة ستمضي. وابحث دائما عن من سيساندك في تجاوز العقبات والمتغيرات والأوقات العصيبة الماحقات فهو خير سند لك، تشجعه ويشجعك على المضي قدما نحو الأفضل، وابتعد عن كل من سولت له نفسه كبح جماح تغيير وتحطيم أفكارك وأحلامك والاستهزاء بأفكاره وإمكانياته، فالعلاقة بينكما الآن لا أساس لها ولا تنبني قط على المحبة والإخلاص بل على الكره والحقد والاشمئزاز.

تذكر دائما أنك المسؤول عن نفسك في حياتك ومماتك، أي أنك ستبقى وحيدا في النهاية دون أي شخص آخر. من إحدى مقولات حسن البصري -رحمه الله- التي وجب استحضارها دائما. سئل ذات يوم: لماذا لا تأبه لكلام الناس فأجابهم قائلا: “أنا حين ولدت ولدت وحدي، وحين أموت، أموت وحدي، وحين أوضع في القبر أوضع وحدي، وحين أحاسب بين يدي الله تعالى أحاسب لوحدي، فإن دخلت النار دخلت وحدي، وإن دخلت الجنة دخلت وحدي فمالي والناس؟” ثق بنفسك دائما واعمل بجد متوكلا على الله سبحانه وسترى التغيير آت لا محالة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri