القلم..ذاكرة حياة وفكر حر

لا أدري بالضبط ما هو سبب هذا الارتباط الوثيق بالقلم، فقد يحدث أحيانا كما يحدث في هذه اللحظة أن أحمل قلمي وأبحث عن أوراقي وليس في جعبتي فكرة معينة،لا أدري! ربما يشعر القلم بصاحبه، فعندما تختلط المشاعر داخلي وتزدحم الأفكار في ذهني لا أجد ملاذا آمنا آوي إليه غير قلمي وأوراقي، وعندما يصبح الحديث مع الآخرين صعبا ويغدو فهمهم لك مستحيلا، يبقى القلم هو الصديق الوحيد الذي يساعدك على تخفيف باطنك وتصفية ذهنك، كما أن رؤية مشاعرك وهمومك تسيل حبرا على ورق أبيض تضفي نكهة خاصة على مزاجك العكر،ومجرد الإمساك بالقلم يعطي معنى خاصا لحياتك. فأنا ممتنة للقلم، وممتنة للعلم، وممتنة لكل شخص ولكل شيء قادني من الظلمة إلى النور. قدرتي على الكتابة والقراءة، نعم، سأظل ممتنة لها طوال حياتي.

تكمن قوة العلم والمعرفة في تغيير نظرتنا للآخرين وللعالم كله؛ فالعين التي يرى بها المتعلم الحياة ليست هي نفس العين التي ينظر بها غير المتعلم، وهذا هو جوهر العلم؛ أن تكون مختلفا وتنظر إلى الأمور بعمق عكس الإنسان العادي، فالعلم هو ذلك القنديل الذي ينير به الفرد رحلته في هذه الحياة ولولاه لكنا جميعا نقود حياة مظلمة خالية من كل معاني الأهداف النبيلة.

القلم قوة وقليل من يدرك هذه الحقيقة، فمنذ أن ارتبط طلب العلم بطلب الرزق فقد القلم قيمته؛ حيث دفع الفقر الناس إلى التمسك بالعلم من أجل ضمان وظيفة فقط، وليس من أجل تنوير العقل والارتقاء بالوعي الفردي، الأمر الذي جعل الكثير من الشباب يفوت على نفسه فرصة التعلم وتنمية الذات، ويمكن أن نرجع سبب ذلك إلى الوسط الأسري بالأساس، فعوض أن يطلب الأهل من أبنائهم أن يدرسوا من أجل تفقيه أنفسهم واستيعاب ذواتهم وعالمهم، يحثونهم على الدراسة من أجل الوظيفة “ادرس جيدا من أجل مستقبلك وإلا ستظل عاطلا”، وهذا هو السبب الرئيس وراء الوضعية البئيسة التي يعيشها معظم الشباب المغاربة، فجلهم يتخلون عن الدراسة في وقت مبكر لسبب واحد تافه؛ هو أنه لم تعد هناك جدوى من الدراسة، إذ أصبحت لا تضمن وظيفة، متى كان العلم مرتبطا بالماديات؟ ومتى كان التحصيل العلمي مرتبطا بالمال؟ فالعلم وُجد من أجل ذاته، نتعلم من أجل العلم فقط ولاشيء آخر.

حري بنا أن نعلم شبابنا أن العلم شرط ضروري من أجل عيش الحياة، ومن أجل بناء مجتمع أفضل، كما يجب أن نجعلهم يدركوا أن التعلم شرط ضروري من أجل تنمية الذات وتنوير العقل وليس بالضرورة وسيلة لكسب المال. نعم، ربما يكون وسيلة، وربما يقود في أحايين كثيرة إلى مراكز مهمة، ولكن ليس ذاك جوهره الأساس، فالعلم جاء أساسا من أجل التنوير، ومن أجل محاربة الجهل، واستيعاب النفس، والحياة والآخر. حين نستوعب هذه الحقيقة وندركها جيدا، يوم ذاك سنمضي قدما وسنبني مجتمعا أكثر وعيا وتحظرا وأقل عنفا وتخريبا وأكثر إبداعا وإنتاجا.

مقالات مرتبطة

أنا وأبي

الضياع ..

يجب إعادة النظر في كثير من الأفكار والمواقف التي نعتقد بصحتها ونستهين بنتائجها، بينما تستمر في نهش مجتمعنا وتدمير شبابنا ونحن في غفلة يلوم أحدنا الآخر، وتعتبر مسألة التحصيل العلمي إحدى هذه المواقف التي يجب تعديلها وإعادة النظر فيها إضافة إلى مسائل أخرى ربما نتطرق إليها لاحقا، وحالة شبابنا اليوم إحدى مخلفات هذه المواقف المغلوطة؛ حيث أصبح الشباب اليوم تائها، متشظيا وعالقا بين أحلامه وطموحاته الوردية وواقعه الأسود. أتساءل دائما ما مشكلة شبابنا اليوم؟ أين يكمن الخلل؟ أ فيهم أم في المجتمع؟ لماذا هذا التيه؟ لماذا هذا الشتات؟ لماذا انعدمت الثقة بين أطراف المجتمع؟

هناك حقيقة تجيب عن معظم هذه الأسئلة، حقيقة لا يمكن تجاهلها أو إنكارها، حقيقة أننا نعيش في مجتمع لا يساعد الفاشل حتى ينجح، بل يحطم الناجح حتى يفشل، ويفقد الثقة بنفسه ويقعد مع القاعدين؛ إذ نصادف شبابا بمؤهلات عالية، وذكاء متقد، واستعداد قوي من أجل العمل والإنتاج، ولكن بالمقابل لا توجد فرصة واحدة أو مجهود ولو ضعيف من أجل هؤلاء، فتُفقد الثقة وتتحطم الطموحات. ولأني أرى أنه يجب الاهتمام بكل الشباب المجد والطموح، يجب كذلك توفير الفرص وتعبيد الطريق لهؤلاء وتشجيعهم ومدهم بالمساعدة الممكنة، لا التنكر لهم وتجاهلهم، لأن الشباب يحتاج من يساعده ويأخذ بيده نحو الطريق الصحيح؛ إذ يعتبر استثماره أساس تطور المجتمع ونمائه.

ولكن وللأسف لا وجود لشيء من هذا القبيل في مجتمعنا “السعيد”، أرى فقط أحلاما تتحطم، وإرادات تقصف وطموحات تكبح، أرى شبابا كانت أحلامهم لا تسعها المحيطات فغدت بحجم البعوضة لا تجد مكانا تحط فيه، وأرى شيوخا وكهولا يتربعون على طموحات هؤلاء الشباب ويقضمون منها شيئا فشيئا حتى تختفي تماما، وأرى كذلك مسؤولين يتخذون من أحلام الشباب سلالم من أجل ارتقائهم وارتقاء أبناءهم،وأرى فقط من يتغدى على أحلامهم ويمتص دماءهم ولا أرى من يحارب من أجلهم.

هذا لا ينفي وجود فئة متواكلة تريد الجاهز، لكن ذلك استثناء، أما الأغلبية فتقاتل في حرب قد حسم الفائز فيها سلفا، لا أدري إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ ولا أعرف متى سيصحو ضمير أولئك ويكفوا أيديهم عن ثروات هذا البلد التي هي ملك للجميع؟ ولا أدري أيضا متى سيستفيق أولو الأمر من سباتهم؟

1xbet casino siteleri bahis siteleri