بين الألم والأمل خيط رفيع!

من طبعنا نحن بنو البشر أن نتوجس من كل ما يمت بصلة للألم، لكننا نعتز ونسعى لتحصيل السعادة، لأن فيها النجاة، فيها يهنأ الفرد. يختلف معنى الألم من فرد إلى آخر كما هو الشأن بالنسبة للسعادة، قد نجد نقاط اشتراك مع غيرنا من بني البشر، لكن يبقى الاختلاف هو الصيغة الغالبة.

هي طبيعة بشرية، فطرنا على حب السوي من الأمور، فطرنا على حب جرعات زائدة من السعادة، نحلق في ملكوت الكون بذلك إن تأتى لنا مرادنا وحققنا تلك الغاية التي نرى فيها السعادة. كما قلنا، معنى السعادة يختلف من فرد إلى آخر، قد يكون ماديا بالنسبة لهذا، في حين تجدها عند ذاك معنوية، وهلم جرا.

هذه الثنائية تطبع حياة كل فرد، قليلا ما تجد وجها واحدا طاغيا على حياة أحد ما، أسود أو أبيض -مع العلم أنه لا يمثل الأسود رمزا للألم دائما، وليس كل ألمٍ ألمٌ بالمعنى الفعلي، كما أنه ليس كل أبيض سعادة- هذه حقيقة نعيشها ونلمسها في حياتنا نحن قبل أن ننطلق ونمد البصر إلى حياة الآخرين.

كل هذه المقدمات عن الألم والسعادة أريد أن أصل بها إلى نقطة معينة، أريد أن أنظر بعين أخرى للألم خاصة، لنقل أريد أن أوسع بصيرتي في هذا المفهوم بالضبط. إذا عدنا إلى الواقع وتأملنا سنجد وكما قلت سابقا أن حياتنا لا تخلو من هذا المفهوم، نجده هنا وهناك بين ثنايا الحياة يتأرجح، لكن والحق يقال لولا وجوده لما استشعرنا طعم السعادة، فالأمور تعرف بنقيضها كما يقال، لولا وجوده لما قدرنا تلك اللحظات البسيطة التي تدخل السرور إلى قلوبنا وتنسينا ما نكابده.

لندقق قليلا في مفهوم الألم ونرى كيف ينظر إليه من طرف الأفراد؛ فهو كل مصدر ضيق يخرجنا من راحة بال وهناء وتصالح مع الذات، إلى عراك في دوامة الحياة يجلب كل ما يعكر راحتنا ونفسيتنا. إذا أخذنا هذا المفهوم وتأملناه قليلا سنجد أننا نحن أنفسنا فاعلين رئيسيين في وجود الألم! سنتساءل كيف ذلك؟ وأنا أقول: كل شعور وكل إحساس هو قرار قبل كل شيء، قرار منك أنت أيها الإنسان، لأنك من يتفاعل مع مؤثرات العالم الخارجي، أنت من يعطي معنى لأحداث العالم أيا كانت، أنت من يصنفها في خانة الألم أو السعادة. هنا تصبح مسؤولا عن إعطاء معنى للأشياء، كيف تنظر لذلك الحدث وذلك الأمر هنا مكمن الأهمية!

لن تغير الأحداث الخارجة عن إرادتك، فاعليتك وقدرتك الأساسية تكمن في ردة فعلك ليس إلا.

وهنا نصل إلى النقطة المهمة، فنجد أن كلمة ألم وأمل يتكونان من نفس الحروف، حتى لتحس بقرابة جد مثيرة في هذين الكلمتين بالضبط، شيء ما غريب يشد الكلمتين بعضهما إلى بعض، ليوحي للفرد منا أنه ليس عليه إلا أن يغير اتجاه نظرته للأحداث، ذلك الحدث الذي يعني الألم، قد يكون أمل، إذا آمنت بذلك، إذا تحملت مسؤولية حياتك، بمعنى أن تعلم حق العلم أن نظرتك للأمور ستغير الكثير وستقلب موازين حياتك للأفضل إذا أردت فقط!

شيء مهم يثيرني كثيرا في مجتمعاتنا، لا أدري هل نفس النظرة يتقاسمها الأفراد في مجتمعات أخرى، لكنني دائما ما ألحظ طريقة معينة ينظر بها الأفراد إلى المشاكل والصعوبات التي يواجهها أفراد آخرين ممن يحيطون بهم، التي بالنسبة لهؤلاء الأفراد مصدر ألم رئيسي لأشخاص معينين؛ إذ ينظرون بعين سلبية لأحداث حصلت أو وضعية يعيشون فيها أولئك ويظنون الظنون ويحسبون أن حياتهم تتقوقع في تلك الدائرة التي رسموها لهم وأنهم سيقضون صباحا يفكرون في حالتهم تلك ويحيون الآلام، في حين تجد أن أولئك الأشخاص قد أدركوا ذلك الخيط الرفيع الذي يفصل الألم عن الأمل فحولوه إلى طاقة إيجابية يحيون بها حياتهم في حفظ الله ورعايته، فتكون لهم كانطلاقة يحيون بها روح الإنسانية المزروعة فيهم ويحيون ذلك الخير الذي بثه الله في صدر كل فرد منا، هذا هو الإنسان الذي يسمى إنسانا، فردا تعالى عما ليس له فيه لا حول ولا قوة، وركز فيما يمكن أن يتغير، ركز في تفاعله مع أحداث الحياة، هذا هو الإنسان السوي، الفاعل، المؤثر في حياته، ينطلق من ذاته ليحدث ويترك أثرا طيبا يذكر!

1xbet casino siteleri bahis siteleri