الثقافة.. جزء أصيل من المنظومة التربوية

1٬328

تعتبر ثقافات الأمم منظومات متناسقة وثابتة، باعتبارها مجموعة من المكونات المتنوعة والمتطورة، كما أنها منتجة من خلال الإبداعية الطبيعية للمجتمع والإجراءات العمومية التي توضع من قِبل الدولة لدعم الإبداع، فالثقافات هي مجموعة من المعتقدات أو القيم التي تعطي معنى لطريقة الحياة وتُنتج ويُعاد إنتاجها من خلال أشكال مادية ورمزية، وبهذا يمكن لنا أن ندفع عنها سمة الفضالة المتبقية من التاريخ، بل هي رئيسية تجمع بين الماضي والحاضر، وأنها طريقة حياة تتسم بالإنتاجية لقضايا التغيير على مر الزمن، لتكون جملة من الصفقات والعمليات والتحولات والممارسات والتكنولوجيات والمؤسسات التي تنتج أشياء وأحداث كالإبداعات العلمية والأدبية والفنية وغيرها…، يجري اكتشافها ومعايشتها وإعطاؤها معنى وقيمة بطرق مختلفة ضمن شبكة الاختلافات والتحولات غير المنتظمة التي برزت منها، باعتبار العائلة والمدرسة والمسجد والفضاء العام، من المكونات الأساسية التي لا تقوم أمة أو مجتمع أو دولة إلا من خلال توفرها، واستنادا للديمقراطية الثقافية التي تسعى لها شعوب العالم، فيجب أن تتطور الثقافة ويستثمر فيها على أساس مكونات الأمة والدولة.

إذا كانت الثقافة هي مجموع الإنتاجات الرمزية والمعارف والإبداعات وأنماط التعبير والعيش والسلوك التي تعبر عن متخيل جماعة أو شعب، فإن الأسرة والمدرسة والمجتمع، هي ذلك المشتل الذي تغرس فيه تلك الثقافة لتؤثر في المنظومة التربوية والقيمية التي تنتجها هذه العناصر الثلاث المكونة للأمة والدولة والتي تعتبر الركائز الأساسية مع عناصر أخرى، بل تنتج لنا منظومة تربوية وقيمية يكون أساسها الثقافة الراسخة، لتكون هناك سيرورة إنتاجية متبادلة بين الثقافة والتربية، باعتبارهما عنصرين متكاملين لا يمكن أن ينفكا عن بعضهما البعض، لأن كل واحد نتاج الآخر وبانعدام أحدهما يختل الآخر.

​الأسرة؛ تلك النواة الأولى المنتجة للإنسان، والمكونة أساسا على عنصر الثقافة، فهي المنتجة لذلك الشخص من خلال ثقافتها التي أخذتها من الأسرة والمدرسة والمجتمع، بهذا يكون لثقافة الأسرة تأثير على ما ستنتجه من عناصر للمجتمع، من خلال تربيتها لذلك الإنسان، وتعتبر الأسرة ذلك المكون التربوي للإنسان والركيزة الأساسية للمنظومة التربوية والقيمية، إذ تعتني بالإنسان من فترة الحمل مرورا بالولادة، لتلقن له التربية والمثل والأخلاق حتى يصير راشدا، وفي هذه الفترات كلها يتلقى مجموعة من القيم النابعة من الثقافة التي تشربتها الأسرة من قبل، وبهذا فإن الاهتمام بالثقافة يعتبر تأهيلا للأسرة، وذلك من خلال الاهتمام بالأسرة بوضع برامج ثقافية، وتشجيع أبحاث إبداعية عن الأسرة، سواء فيما يتعلق بالمسرح، أو الرسم وغيرها، لتكون الإبداعات منصبة عن الأسرة ومؤثرة فيها.

​أما المدرسة؛ فهي الأساس والعمود الفقري لعملية التربية، وترسيخ القيم والمثل الفضلى التي بانعدامها يختل التوازن التربوي وبفسادها أيضا تفسد كل مكونات المجتمع، فهي وعاء التربية ومنبت الثقافة، ومن خلالها تصلح الأسرة والمجتمع أيضا، فإدماج الثقافة في المؤسسات التعليمية وجعل المنظومة التربوية بكل أسلاكها إطارا أساسيا لتعزير وترسيخ الوحدة الثقافية من خلال تنوع مكوناتها وروافدها، وتقوية التماسك الوطني المتميز بالتعددية لينتج عنه تعايش بين مكونات المجتمع، كما تعتبر المكان المناسب للاهتمام بالخدمات الثقافية وإنتاجاتها وذلك من خلال تحويل الفضاء المدرسي إلى مناسبة لاكتساب التكوينات الرئيسية، معززة بالفضول المعرفي لدى المتعلمين، حول تاريخهم، وهويتهم، وتنوعهم الثقافي، ومع تشجيعهم على الانفتاح والتواصل ومع التركيز على فضائل العلم والعمل والابتكار، وأيضا يعتبر الفضاء الجامعي مناسبا لزرع الثقافة المؤثرة والموجهة لتربية الطالب من خلال خلق وتطوير شعب ومسالك تكوينية وجامعية في مهن التربية الثقافية، ووجود شعب متخصصة في الفن والموسيقى والرسم…، كل هذا نجد له مكانا في النوادي المدرسية والجامعية ومؤسسات المجتمع المدني الشريكة، كما يمكن جعل آليات التقارب والتكامل بين المؤسسات التعليمية والتجهيزات الثقافية والفنية الموجودة في محيطها من خلال اتفاقيات الشراكة، من أجل تعزيز المشاركة الثقافية والمساهمة في سهولة الوصول إليها.



ليكون المجتمع ذلك النتاج الذي أنتجته الأسرة والمدرسة معا، في علاقة تبادلية وتكاملية بين هذه العناصر الثلاث، لتكون الثقافة أحداثا وتجارب يُنتجها ميدان قوة اجتماعية مكون بشكل غير متساوٍ من تيارات نفوذ وهرميات اجتماعية، وهي أيضا مؤسسات اجتماعية بعضها مرتكز في الدولة، وبعضها الآخر في المجتمع المدني… ليتبين لنا أن المنظومة التربوية لا يمكن لها الاستغناء عن الثقافة، وجعل هذين المجالين مستقلين بذاتهما، بل كل واحد يكمل الآخر، لتبنى أمة ودولة، قائمة على أساس ثقافي متين، ينتج من خلاله مجتمع ذات تربية سوية وقيم أخلاقية سامية.

1xbet casino siteleri bahis siteleri