تمعن جيدا في حياتك

تمعن جيدا في حياتك، واستغرق في تفكيرك، حاول أن تتساءل كم فرصا ساهمتَ بنفسك في ضياعها، وكم يوما مرَّ عليكَ دون أن تمنحه القدر الكافي من الحياة المُستحقة؟ تساءل في ماذا يُفيد الحزن الأبدي؟ هل يُغير من أحداث العالم شيئا؟ أو لا شأن لنا في العالم، دعنا نتساءل بصيغة آخرى، هل حزنكَ يُغير فيكَ شيئا مُعينا أم أنه يزيد الطين بلة؟

الحزن ليس غريبا علينا نحن البشر، وليس بمستحيل أيضا، فنحن لن نعيش في سعادة مستمرة، ولكننا في نفس الآن لن نعيش حزنا متواصلا. أنا لا أخاطب تلكَ الفئة المنطقية التي تعي جيدا كيفية الموازنة بين شتى الأمور في حياتها ومختلف المشاعر التي تعيشها، تلكَ الفئة التي تتعايش مع تقلبات الحياة بالطريقة المناسبة -إلى حد المعقول-، هذه الفئة لا خوف عليها أبدا. أنا أخاطب تلك الفئة التي تعيش تخبطا وضياعا متواصلا، غارقة في الوحشة والأسى، تلك التي اتخذت من الحزن نمطا للحياة أما السعادة فهم يفتقرون لوجودها، ليس لانعدامها، بل لأنهم يُصرون على طمرها ونفيها من الوجود.

منذ أيام، تناقشتُ مع شابة أصغر مني سنا، وأكبر مني همًّا، الحياة في منظورها ليست سوى سواد، لا تبحث عن النور ولو من ثقب إبرة، مستسلمة لليأس وغارقة فيه، ومصرة على إقناع ذاتها أن ما تمر به ليس سوى لعنة حلت عليها ولا مفر لها من شعورها ذاك، تقول: إنها صبرت إلى درجة أن صبرها نفذ منها، وشاخت في لحظة وهي مازالت أبعد من ذلك بمراحل عدة..، حزنها اللعين شيطان استحوذ عليها ونشر في لاوعيها أفكار سامة اقتنعت بها، صدقتها وآمنت بها، لا تعي أن كل ما تمر به ليس سوى اختبار دنيوي، المسألة أشبه بالاختبارات الدراسية، فإما أن تنجح بمعدل مُشرف أو تأخذ معدلا يخولك للرسوب، وما بين الأول والثاني معدل متوسط، دليل على أنك لم تستسلم للرسوب، وفي نفس الوقت بذلت جهدا وحاولت أن تتفوق بميزة مشرفة وأنك اليوم لم تتمكن من بلوغها، ولكنك كنت وشيكا، حتى وإن خِبت هذه المرة فاحتمال تفوقك المشرف وارد جدا في المرة المقبلة.

 

مقالات مرتبطة

هي مجرد اختبارات، الغاية منها هي النتيجة، وكان عليها أن تخوض هذه الاختبارات بقوة أكبر وأن تحاول قدر المستطاع أن تنجح فيها بصبرها لا أن ترسب فيها بيأسها، كان عليها بدل أن تخضع للأفكار التي تجذبها إلى المصيدة، أن تنهض وتنفض عنها ذاك الغبار وتتحرر من أفكار تقيدها وتسيطر عليها، فتحاول أن تخلق سعادتها بنفسها من عمق الحزن الذي استقر فيها، أن تقول للحزن: “لا”، وتصده بسعادة من أبسط الأشياء وأتفهها. وما هذه الفتاة إلا نموذج مُختصر عن حال شبابنا، في زمن قاهر يدفعك دوما للشعور بالحزن وكأنه جزء عليه ألا يتجزأ منك.

ما كان الحزن يوما فردا منا، ولطالما كان ضيفا ثقيلا على القلب غير مرحب بقدومه، ولكننا نُكرمه لبعض الوقت بفعل ضغوطات الحياة، نرحب به مرغمين كحل مؤقت تدفعنا إليه ظروفنا…فنعيشه بعقل ومنطق لفترة وجيزة كمن يأخذ فترة راحة من الحياة ليعيش حزنه وأثناء ذلك يستعيد نفسه من جديد ويخرج للحياة قويا وسعيدا…إن كنا نشعر بأن حزننا هو دائم وسعادتنا مؤقتة، لا ضير أن نجعل من حزننا هو المؤقت وسعادتنا هي الدائمة. بوسع المرء أن يغير أفكاره متى أراد ذلك، فما المانع إن فكرنا بإيجابية أكثر؟

انفض عنكَ غُبار الحزن، وانهض مجددا، فالحياة بحسناتها وسيئاتها في انتظارك، وعدوك الحقيقي في رحلة الحياة هو اليأس والحزن، وفي طريقك لتعيش هذه الرحلة لابد أن تصادفهما كمحطة استراحة تُجبرك على الوقوف فيها لترتاح من مشقة الطريق، حينها فقط عليكَ أن تحارب بكل قوتك كي لا تقف فيها طويلا وتأخذ من ذاك المكان المحطة الأخيرة التي لن تواصل من بعدها، فتستمر الرحلة وتبقى أنتَ عالقا هناك…حارب بكل ما أوتيت من قوة في سبيل أن تعيش بسعادة، أن تعيش بما يليق بك!

1xbet casino siteleri bahis siteleri