تهميش لغةٍ وفرض أخرى

إن اللغة هي عبارة عن كلمات ومعان كُونت ونُسِّقت من مجموعة من الرموز والإشارات، والتي تعتبر أهم أداة للتفاهم والتواصل ولترجمة كل ما يجول في داخل الإنسان من أفكار ومشاعر…
والإنسان هو الكائن المتميز بالعقل والعلم على الكائنات الأخرى، فهو المخلوق الوحيد على وجه هذه الأرض الذي يعبر عن نفسه من خلال استخدام لغة معينة قد تكون بالصوت أو الصورة، أي أنه قد يستخدم صوته ليوصل أفكاره للطرف الآخر، أو قد يفضل أو يضطر للتعبير بالإشارات، وهذه الأخيرة تسمى بلغة الإشارات.
هنا يكمن السؤال الذي مازال يحير العالم، ففي كل مرة تزداد التساؤلات تزداد معها النظريات بين ما إن كانت اللغة فطرية أم مكتسبة، وتختلف هذه النظريات باختلاف المعتقدات والمعطيات الأخرى، حيث كانت بداية اللغات مع بداية الإنسان، واختلفت مع تطوره وزادت اختلافا بسبب سفره واحتكاكه مع أناس آخرين عاشوا ظروفا غير ظروفه وفي أماكن غير مكانه، وأيضا لأسباب كانتشار الأديان والاحتلالات الغير المبررة…


لاختلاف اللغات إيجابيات كثيرة، كما أن لها سلبيات لا يستهان بها، فمن غير المعقول مثلا فرض لغة على طفل صغير وتهميش لغته الأم، مما يتسبب في عرقلة وصعوبة تعلمه، فقد تكلم هذا الصغير في بيته لغة أو لهجة ليتفاجأ أن الناس في الشارع يتكلمون لغة أو لهجة مغايرة، ويتفاجأ للمرة الثانية على التوالي في المدرسة عندما يكتشف أن عليه أن يتعلم بلغات بعيدة تماما عن لغته، وهذه المشكلة يتعرض لها بشكل خاص أطفال الدول النامية، أو ما يسمى بالعالم الثالث والذي يتضمن الوطن العربي أو بالأحرى والأوضح العالم العربي حاليا، لأن لكل فئة منهم لغة أصلية كاللغة الكردية والأمازيغية والآرامية والسريانية والعبرية والأرمينية… ولهجات خاصة كاللهجة الحجازية والدارجة والصعيدية والأنبارية والصحراوية… فيكون من الصعب جدا عليهم استيعاب العلوم بشكل عادي وطبيعي كأطفال الدول المتقدمة التي ترجمت العلوم إلى لغاتها الأصلية مما سهلت ومهدت لهم طريق العلم، بينما مازال طفلنا نحن يعاني من ترجمته المتواصلة لكي يفهم، فبدل أن يركز على المعلومة عليه أن يحولها للغته الثانية ثم الأولى ثم لغته الأصلية فيفهم المطلوب ببطء شديد وقد يتشتت تركيزه خلال هذه العملية فيفهم ما عليه فهمه بشكل خاطئ أو ربما عكسي.
هذا وقد رُتبت اللغات من الأكثر رقيا إلى أقلها، وسياسة التفضيل هذه نتجت عن مصالح سياسية واقتصادية، فتكونت بذلك طبقية اجتماعية لا أساس لها، مما زادت من الحروب الأهلية والكراهية المتبادلة.
إنما مقارنة فرد بآخر لأنه يتقن لغة ولا يتقن غيرها مقارنة ظالمة في حقه، بل وحتى لا يمكن مقارنة من تعلم بلغته الأم ومن تعلم بلغات أخرى غريبة عنه، لأن هنالك فرق كبير بين مجهود هذا وذاك.

إن العيب لا يكمن في التكلم بأكثر من لغة، ولكن الفئة الناشئة في المجتمع تحتاج لمن يسهل عليها المسافة ويقربها أكثر، تحتاج لأن تتعلم باللغة التي تفكر بها، وبهذه الطريقة سيتم زراعة حب العلم وطلبه فيها، لأنها ستنجب مستقبلا الطبيب والمهندس والمعلم…وسيكون من الواجب والمفروض عليهم إتقان عملهم، لذا فلا يمكن الحصول على هذه النتيجة إلا باجتهاد المسؤولين ومساهمتهم في تربية وتعليم وتكوين الصغار بلغاتهم، فأما عن اللغات الثانية فما عليهم إلا أن يتعلموها في حصص أخرى مضافة للجدول المدرسي تحت إسم “حصة اللغة..” كعلم في حد ذاته وليست كوسيلة تعليم.
لكل هذه الأسباب على المسؤولين  التفكير بشكل جدي في مجهودات هؤلاء الأطفال الذين يحملون مشاعل المستقبل المهددة بالإخماد.

1xbet casino siteleri bahis siteleri