روح الإبداع

في ظل الثورة المعلوماتية والانفجار المعرفي، يعد التعليم جهداً لمساعدة الفرد على التعلم للوصول إلى الأهداف التربوية، كما أنه عملية لتحفيز وإثارة قوة المتعلم العقلية ونشاطه الذاتي، بالإضافة إلى توفير الأجواء الملائمة التي تساعده على القيام بتغيير سلوكاته الناتجة عن مثيرات داخلية وخارجية. ويضمن هذا التعليم جانبا منهجيا وجانبا تقافيا. إذن، كيف تسهم الأنشطة الثقافية في ترسيخ روح الإبداع لدى الإنسان؟ وهل يؤثر غيابها على الفرد؟

أتذكر يوما أنني كنت في محاضرة منظمة من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؛ حيث تطرقنا لموضوع الأنشطة الإبداعية ودورها في الحياة والمسار التعليمي، فتكلمت عن تجربتي بصفتي تلميذا في المدرسة العمومية، حيث انصدمت وعلمت أننا نفتقر للإبداع والابتكار والتجديد، لكن هل البرنامج التعليمي متكامل لتحقيق الأهداف التربوية؟

كلنا نوافق على أن الأنشطة الحرة التي يمارسها المتعلم خارج الفصل تشكل وتبني خبراته ومهاراته الأساسية، كما تتيح له رؤية واضحة لمعرفة الحاضر وآفاق المستقبل وذلك من خلال مشاركته في الرحلات الترفيهية، وحصص التمثيل والموسيقى وغيرها من المجالات المختلفة في المدرسة.

ومن أجل ترسيخ روح الابداع، نجد أن علماء النفس يقرون أنه يتأسس منذ مراحل الطفولة إلا أنهم يقرون أيضا أنه يمكن تنمية الميول والقرارات الإبداعية في جميع مراحل النمو؛ حيث ينطلق الإبداع من فراغ إلى الابتكار القادم على تقديم إبداعات جديدة تضاف إلى المعرفة الإنسانية، وفي نفس الوقت يدفع بعجلة تطور المجتمع لبلوغ مركز محترم بين الدول المتقدمة. ومن هنا فإن المدارس بصفة عامة؛ الخصوصية والعمومية، عليها أن تتجه إلى إصلاحات منهجية وبنيوية لتنمية العقول ورعاية المبدعين، كما عليها أن تكشف قدرات التلميذ العقلية وتنمي ملكة الإبداع عنده وإثارة اهتمام التلاميذ بالعديد من المشاكل المجتمعية وجعلهم يحسون بها؛ لأن ذلك هو الهدف الأول من وجود المدرسة، والغاية المتوخاة منها.

مقالات مرتبطة

أما بالنسبة لغياب الأنشطة الموازية فإنه يؤدي إلى النمطية، والتقليد والتكرار وغياب الابتكار، كما يعمل على إضعاف البنية الثقافية لمجتمعاتنا وتدني المستوى التعليمي للفرد نتيجة الفشل والتخبط وفقدان التشجيع على الإبداع، كما أن غيابها يفشي العديد من الظواهر الأخرى كالخمول، والاعتماد على الغير ثم ضعف الملاحظة الدقيقة لدى الأطفال وزرع الخوف والخجل الزائد من الكبار، وكذلك عدم القدرة على إبداء الرأي، ولا ننسى غياب الهوية الثقافية والحضارية أيضا.

في الشهر الماضي، ذهبت لمهرجان الشباب الذي نظم في جامعة محمد السادس لعلوم الصحة حيث ضم مجموعة من الندوات والمحاضرات والورشات، التي شملت تجارب حياتية لأناس مبدعين يتميزون بروح القيادة وتحمل المسؤولية، وعند عودتي تساءلت عن سبب غياب مثل هذه الورشات في مؤسساتنا التربوية والتعليمية التي تسهم في نشر الوعي الخلاق داخل المجتمع لكن لم أجد جواباً مقنعاً.

حسب رأيي المتواضع، أجد أن الأنشطة الثقافية والبيئية والاجتماعية…تسهم في جذب الطلاب إلى المدرسة، والاحتفاظ بهم، وتقليل غيابهم، كما أنها تسهم في تكوين صداقات جديدة، مما يؤدي إلى تكوين علاقة طيبة مع الٱخرين، وكسب الثقة والقدرة على التحليل، كما تعمل على تقوية قدرة التلاميذ على استنباط الأفكار الجديدة وإكساب الأطفال الشعور الطيب عن أنفسهم.

وأخيرا أختم بقولي أنه داخل كل شخص يوجد طفل لديه حس إبداعي، لكن وجب تطويره للسير به نحو الأمام لتحقيق روح التعاون والإيثار والتنافس الشريف، متجنبين تحطيمه بأفكار نمطية. وكما يقول الشاعر والفيلسوف الروماني لوكريتيوس: “لا شيء يمكن إبداعه من لا شيء”

1xbet casino siteleri bahis siteleri