“عن صديقي ذو 89 سنة “

إلى الذي لطالما أفسد علي خلواتي تحت شجيرات اللوز لم أذكرك مند زمن البارحة فقط مررت قرب شجيرة لوز
هناك اختبأ طيفك وهناك نزفت الذاكرة …

مقالات مرتبطة

كنت أود قول الكثير لكنني لا أحسن التعبير ولا أجيد ربط الكلمات بعضها ببعض ولغتي لا زالت تسبح في بحر من العشوائية، أما الثقب في ذاكرتي فقد سرب جزءا من الذكريات والأفكار التي كونتها عنك، إلا أن الصورة المترهلة على مكتبي تحاول جاهدة إحياء ملامحك داخلي حتى وإن أصبح ذلك ضربا من المحال بعد أن حاصرها الزمن وألبسها وشاحا من الشحوب عدى قليلها . وبماذا يمكن للمرء أن يفتتح حديثه بعد 8 سنوات من الغياب؟ خصوصا أمام رجل كلامه مربك تماما كصمته.
كنت أريد أن أقول أن كل شيء تغير من بعدك، وأنني لازلت على وعدي ما استطعت، وأننا نحتفل بالذكرى السادسة للربيع العربي الذي لم تعشه ولم تعلم عنه يوما ولازلت لا أعلم الحكمة من موتك قبل أن تعيش حدثا مربكا كهذا، أنت الذي حاربت من أجل الوطن وأنت شاب وفضلته عن أبنائك وعائلتك وأنت كهل خائر القوى


لعل موتك كان رأفة من الجليل بك فأنا أعلم أن 8 سنوات عجاف كهذه كانت كفيلة بأن تفعل بك ما فعله غياب يوسف بيعقوب وما لم يفلح به المرض وأنك ما كنت لتتحمل كم الدماء الطاهرة التي غطت الشوارع لشباب وشيب وكم الدموع التي ذرفت في كل مناسبة غاب فيها أحدهم عن ناس أحبوه وترك فقدناه في قلوبهم خنادقا من الحزن لن يملأها غيره وأنك ما كنت لتبارك يوم الجمعة كما كنت تفعل بعدما أصبح يحمل معه وصفا لما يكنه الشعب والوطن على حد السواء من كره وغضب للفاسدين وللخراب الذي حل بهم لقد كان ميلادا حقيقيا كنت لتحبه وتخلده حتى وإن لم يطلنا بشكل مباشر ورغم كل ما خلفه من ألم وغصة في أنفسنا كنت لتمجده لقد مات طغاة وخلفهم طغاة آخرون تصديقا بقولك أن الفساد يتناسل كما يتناسل الأمل والحرية ليعطي زهورا تقف أمامه لازلت أؤمن أن الوطن رجل طاعن في سن يحمل ملامحك يدنو منا بنفس الحنان الذي تحمله عيناك ويحمل لنا في قلبه كل الحب والود رغم انشغالنا بأنفسنا وإدبارنا عنه في لحظات من الغضب والاستياء التي تفرضه علينا الظروف أحيانا متسامحا مع هذا الكم الهائل من التنوع العقلي والعمري كنت أود أن أقول أنني أفتقدك وافتقد التوازن الذي كنت أحسه بوجودك وأنني أخاف أن انتظر عمرا دونما إدراكه من جديد لم أتغير كثيرا عن تلك التي عرفتها لازلت لا أجيد توزيع الطاقة بداخلي ولازلت أتحمس للأشياء بسرعة وافقد ذلك الحماس بنفس السرعة لا زلت أزور بيتك كلما سنحت الفرصة لي بذلك لا لشيء إلا لإحياء ما نال منه الزمن أو حاول النيل منه لكنه لم يفلح إن صح القول لازال جهاز الراديو في مكانه ولازلت أتأكد من سلامته كلما أتيت رغم أني أشك إن كنت ستحب الأغاني والأخبار التي يحملها لك كما كنت تفعل سابقا وأصلحت اباجورتك على المنضدة قرب السرير ووضعتها على اليمين كما كنت تحب كي يسهل عليك استعمالها لصلاة الفجر وجعلت النور خافتا كي تخشع وطلبت من فاطمة أن تزرع بعض الزهور البيضاء في حديقة المنزل تخليدا للزهور التي كنت تسميها على اسمي عندما كنت صغيرة لقد فجعت قلبي فيك يا صديقي لا زال تاريخ 18 من نونبر يشكل ندبة غائرة في قلبي وان احتفلوا به كعطلة وكعيد لاستقلال الوطن فسيظل بالنسبة لي يوما تلقيت فيه خبر وفاتك ووقفت فيه على المعنى الحقيقي للفقدان الذي لم أرد يوما تجرعه خصوصا في ذلك السن لكن تلك سنة الله لقد كبرت وصرت شابة ولازلت أتذكر حين أخبرتني أن الله أرسل لي هدية معك وانك ستقدمها لي عند بلوغي العشرين سنة لقد تجاوزت العشرين بحوالي السنة ولم أتلقاها وأدركت أنك كنت الهدية لا حاملها وانه تطلب مني حقا بلوغ ذلك السن لإدراك ذلك.

1xbet casino siteleri bahis siteleri