مالم يخبرونا به ونحن على أعتاب العشرين!

أخبرونا أن عمر العشرين هو عمر الزهور أو كما يقال ‘العمر المثالي’ (l’âge idéal) أي أنه السن الذي تكتمل فيه قوتنا الجسمية والنفسية، ويكتمل فيه نضجنا العقلي. فيه تتضح رؤيتنا للحياة، ونصبح قادرين على اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية، وفيه نتحمل مسؤولية مستقبلنا وتصبح أخطاؤنا محسوبة، ولا نسمح بتكرار تلك الأخطاء التي كنا ننظر إليها من قبل بازدراء.

أخبرونا أيضا أن سن العشرين عبارة عن مرحلة نخرج عبرها من ضياع وشتات فترة المراهقة إلى مرحلة المسؤولية والوعي الجاد، أخبرونا أن هذا السن أو هذه المرحلة العمرية كفصل الربيع في السنة فيها تزهر عطاءاتنا وتثمر أشجار طموحاتنا، فيها تنفجر ينابيع السعادة أمامنا، وفيها تضمنا الحياة بكلتا يديها، فيها نرى الحياة والكون كبساط سحري بُسط لنا لنشق فيه طريقنا بكل عزم وقوة. لكنهم لم يخبرونا أننا ونحن على أعتاب عقدنا الثاني ستتغير نظرتنا للحياة! لم يخبرونا أننا في هذه المرحلة من عمرنا -بعد أن طوينا عقدنا الأول بكل ما فيه من عبث وطيش ولامبالاة- سنواجه مرحلة جديدة حاسمة تضعنا أمام تساؤلات محيرة تغير فكرتنا عن الحياة التي كنا نراها بسيطة وهادئة، لتصبح -ونحن في العشرين- كمعركة نخوض فيها حروبا شتى مع ذواتنا والعالم، مع الحياة والعقبات، مع الفشل والنجاح.

لم يخبرونا أبدا أن العشرين ستستقبلنا بوابل من الأسئلة تدخلنا في متاهة وحيرة من قبيل: من أنا؟ لماذا أنا هنا؟ ما هي غايتي؟ ما هو هدفي من الحياة؟ إلام أطمح؟ ماذا أريد؟ هل لي رسالة في هذه الحياة أم لا؟ وإذا كانت لي رسالة فما هي؟ وكيف أقوم بها وأنفذها؟ لتجد نفسك وسط دوامة من التساؤلات تغير أفكارك وتصوراتك، وتحدد شخصيتك ونمط عيشك وعلاقاتك.

في خضم بحثك الدائم عن أجوبة لتساؤلاتك، ستواجه مجموعة من التحديات التي تغير نظرتك العابرة للحياة لتعيد النظر إليها بتأمل وتمعن. تجعلك تساؤلاتك المتكررة والمرهقة تكتشف ذاتك بشكل أعمق، تنقب في أفكارك وخلفياتك السابقة، وتحللها وتناقشها، وتحتفظ منها بما تراه صحيحا، وترمي الخاطئ.
لم يخبرونا، ونحن على مشارف العشرين، أن معايير تقبلنا للأشياء ستتغير وتختلف، فحتى الأفكار والمواقف التي كنا نعتبرها من قبل من المسلمات سيصبح من الضروري استنطاقها وتحليلها، ومعرفة كل جوانبها وتفاصيلها، كي نتبناها عن قناعة.

لم يخبرونا أن فترة العشرين متعبة، ولم يخبرونا أنها ستدخلنا في صراع داخلي وخارجي!
لم يخبرونا أن العشرين تنتظرنا بمخاض عسير لنولد من جديد ونحن في وعي جديد بأنفسنا وبمن حولنا! مخاض يجعلنا نخرج للدنيا بوعي زائد ومختلف عما سبق، وبنضج كبير يمكننا من مواجهة تحديات الحياة وصعوباتها بنفس أقوى ويجعلنا قادرينا على تحمل أعبائها.
لم يخبرونا أن دخولنا سن العشرين يحتم علينا رسم خريطة محكمة المعالم وواضحة الأهداف، دقيقة التنفيذ للسير عليها في دروب الحياة بخطى ثابتة وواثقة ومفضية إلى تجاوز كل العقبات، وترك بصمة نوعية جميلة ومميزة في سجل أعمالها الإنسانية الصالحة النافعة الخالدة. لم يخبرونا أن فترة العشرين لن تنتظرنا إذا ما تأخرنا عن اكتشاف سرها، ولم نعمل على تحديد مصيرنا فيها، ورسم أهدافنا، واستثمار قدراتنا!

لم يخبرونا أنها سريعة جدا، وأن عداد أرقامها لا يتوقف، ولا ينتظر أحدا من الخاملين أو المتقاعسين، فما إن تضع أولى خطواتك فيها حتى يجد الجميع نفسه في الثلاثين من غير توقف في السير ولا تباطؤ!
لم يخبرونا أنها مرحلة فريدة، وأنها لن تتكرر بكل ما فيها؛ بشغفها وتعبها، بمُرها وحلوها.
لم يخبرونا أنها من أكثر المراحل التي سنندم عليها إن لم نستثمرها بجد، ولم نحرص فيها على خطتنا وأهدافنا وكدنا وسعينا.

*عن العشرين*

مرحلة العشرين مرحلة البذل والعطاء، مرحلة زراعة البذور ورعايتها لجنيها فيما بعد من مراحل الحياة الدنيا والآخرة، لا يهم الأخذ في هذه الفترة بقدر ما يهم العطاء السخي والبذل المضني، فهي مرحلة بذل بالأساس: بذل الجهد بأقصى ما يمكن بذله؛ إذ على قدر عطائك فيها سيكون أخذك. وعلى قدر طاعتك لربك فيها تضمن مقعدا في ظل عرش الرحمان يوم لا ظل إلا ظله، لن تذهب ساعات السهر في الجد والاجتهاد سدى، ولن تضيع جهود التعب والبحث والتجارب، والحرمان والإيثار هباء…فعلى قدر دفعك لضريبة النجاح فيها سيكون جزاؤك.

 

1xbet casino siteleri bahis siteleri