نظام المجموعات البشرية

تأتي علينا لحظة لا نستطيع تفسيرها، تأسر كياننا ثم تحولنا إلى رماد بعد ألم حاد يحترق معه الفؤاد. تتهاطل العبرات واحدة تلو الأخرى لتفرغ ما بداخل صندوقنا من ضغوط ومخلفات عاطفية…لحظة تتحكم فيها رواسب الماضي، وضغط الحاضر وتبعات المستقبل التي تبرمج خريطتنا الإدراكية واللاإدراكية.

هذه اللحظة هي الآن ولا شيء غير الآن قد تغمرك بشعور الندم وتمنحك فرصة التدارك أو قد تكون لحظة صعود الروح إلى بارئها. سمعت إحدى صديقاتي تقول: السبب هم الآخرون، لولاهم لكانت الدنيا بخير، ككل البشر عبرت عن براءتها واتهمت الآخرين دون أن تبذل جهدا لتحليل القضية من الجهتين. أنا لا ألومها؛ لأنني اتخذت من هذه الأفكار ملاذا في الماضي، ألعب دور الضحية في كل مرة وكأنه لا سبيل للنجاة، لأفتح عيناي فيما بعد على حقائق جهلتها وهي أن مفهوم البراءة في المعاملات الإنسانية نسبي، عكس مفهوم البراءة الذي يدرس في كلية القانون والذي غالبا ما تحكمه نصوص مطلقة لا رجعة فيها مع بعض الاستثناءات التي تحتمل التخفيف.

مقالات مرتبطة

هذه النسبية تعود إلى اختلاف منطلقات كل منا، محيطه، وطباعه، ومدى تقبله لذاته كيفما كانت والعمل على إصلاحها رويدا رويدا. إننا نحن بنو البشر أصلنا طيب، لكننا نحارب من أجل بقاء حيز الراحة الذي ألفناه واستشربت أذهاننا قواعده، نهاب التغيير والتضحية. نحن لا نختار أفراد أسرتنا؛ لأنه أمر سيرنا فيه لكننا نتفقد العالم خارج البيت بعناية فائقة لنحدد إلى أي مجموعة ننتمي؟ هذه المجموعة التي يقع اختيارنا عليها تتكون من أفراد يجمعنا بهم نوع من التوافق، بمعيتهم نتحدث بطلاقة، نكون نحن وليس شخصا آخر، مجالستهم بلسم للروح وراحة للنفس. بخلاف مجموعة أخرى تجمعنا بها علاقة تنافر، تتسارع دقات قلوبنا حينها، نكمم أفواهنا خوفا من الزلل، نغلق باب العفوية ونفتح باب الحذر.

اعلم يا صديقي أن قاعدة المجموعات تنطبق على الجميع وكل منا يرغب في أن يوسع نطاق انتمائه؛ لأن ذلك يخلق لديه نوعا من الأمان النفسي وأنه مقبول من طرف الأغلبية، يحاول بذلك أن يطور شبكة علاقاته كوسيلة تعينه على تحقيق أهدافه التي رسمها مسبقا.
إن إشكالية القبول هاته تحمل في طياتها العديد من العوامل الوضعية بالإضافة إلى عامل القدر ألا وهي المظهر، واللغة، طرق الكلام، وفن الدعابة، والمستوى المادي والانتماء القبلي إلا أن دراستنا الجيدة لأنفسنا وتقييمها باستمرار سيمكنان من تحديد السلوك المتوازن والأنسب لنا حيال المواقف التي نعيشها كل يوم.

 

1xbet casino siteleri bahis siteleri