عربٌ بنكهةٍ أجنبيةٍ

شقت طريقها نحو هدفها بلا استسلامٍ، بخطىً حثيثة سعت نحو طموحها تحاول أن تتجاوز كل العراقيل والنوائب التي واجهتها في رحلتها نحو ما هو أعظم.

بينما كان الكل يرقد في رخاخٍ وسلامٍ، كانت تتسامر مع نفسها في ديجور الليالي وتطرد سلطان النوم لتجهز ما ستعبئ به صفحاتها البيضاء، أنفقت مراهقتها في سبيل أن تغير من نفسها الغابرة، لغتها العربية كانت أكثر ما تهتم به، طبعتها وصاغتها على طريقتها، هكذا هي… وكأنها قد خرجت للتو من زقاق رواية… تتساقط الكلمات والحروف من ثغرها في كل مرة غدت حديث مستمعٍ،حيث الكلمات الفصيحة لا الأجنبية.

ليس من السهل أن أكتب عن موضوع كهذا، لكن عندما يتعلق الأمر بالهوية فإن الموازين تنقلب، فقد نظن أنفسنا أننا ما زلنا متمسكين بعروبتنا مهما تقادمت الأيام وتسارعت حبال الزمان، لكن في برهةٍ من الوقت قد نكتشف العكس تماماً، حينها يكون قد فات الأوان.

صحيح أننا ولدنا في وسط ٍعربيٍ، ونتكلم بلسان عربيٍ، ولنا انتماءاتٌ وأصولٌ عربيةٌ، ولكن بين يوم وآخر أصبحنا عرباً بنكهةٍ أجنبيةٍ، تغربت ثقافتنا ولم تتعرب، حيث الكلمات الأجنبية من الفرنسية والإنجليزية والإسبانية وغيرها تختلط بلغتنا العربية، حيث طريقة اللباس والكلام والتعامل أضحت انفتاحاً وليس تقليداً، حيث السمفونية الموسيقية لبيتهوفن أو شوبرت استوحت على أوركسترا أم كلثوم وفيروز، حيث دواوين المتنبي وأحمد شوقي استحالت أن تكون رفيق كوب قهوى أو كأس شاي، حيث نسمِّع لأطفالنا قصصاً قبل النوم ونسينا أن نحدثهم عن أطفال الحجارة؛ عن قصة صمودٍ ودفاعٍ عن كل طرفٍ من أراضيهم، حيث الأفكار التي تلعب بعقولنا والسلوكيات والتقاليد مستوردةٌ وتستحوي على كل ما هو أصيل، حيث ما جاء به الدين صار عيباً والثقافة الغربية نُجر إليها كالاِنجرار الأعمى، حيث غدا الاهتمام بالتحصيل الدراسي فقط لا باكتساب فكرٍ واسعٍ،حيث الاحتفالات بأعيادٍ ليست أعيادنا، وحيث العولمة هي الدافع الرئيسي في كل ذلك.

باتت الشعوب تستهلك ثقافة غيرها بينما ثقافتها الحقة أضحت كبناءٍ يتضعضع بناؤه بأقل حادثٍ، تحاول أن تتماسك خوفاً من رياح التغيير والانحطاط…. سُلخت منا عروبتنا… تراجعنا وتقدم غيرنا وتجزأنا فمن يجمعنا؟

لا عجب في أن نشهد كل هذا في مجتمعاتنا ما دمنا شعوباً تعيش في صراعاتٍ بين فينةٍ وأخرى، وفي تنازعٍ ونزالٍ بين أونٍ وحينٍ، ما دمنا شعوباً تتخلف بينما الغرب تتحالف، ولا غرابة في أن يُتخذ المغنيون والمطربون قدوةً وسيد الخلق وحبيبنا أفضل الأسوة وأحسنها مثلاً، فهؤلاء يتقدمون ويزدهرون للبعيد، ونحن نمشي على غرارهم كالعبيد، احتككنا بهم وأهملنا موروثنا، فتحولنا إلى مجتمعاتٍ يسودها الجمود الفكري والعقلي. كنا بعروبتنا أشبه بشجرةٍ وارفةٍ تقي كل من استظل بها، جذورها ثابتةٌ منذ القدم، لكن من يخبر أصحابها أن جذورها تعطشت وفقدت صلابتها ليروونها من جديدٍ، فلا وقت بعد للتحير ولا للتحسر.

1xbet casino siteleri bahis siteleri