الحرب على القدس: أين اختفت دعوى الإنسانية والحوار والتعايش؟
القدس.. مقدسة الاسم والمكان، مسرى الأنبياء، تمم الله قدسيتها بصلاة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم فيها.
لماذا الاهتمام بالقدس؟
يهتم المسلمين بالقدس الشريف لأنه قبلتهم الأولى؛ لأنه المسجد الذي تضاعف فيه أجور كل صلاة بأضعاف مضاعفة عن المساجد الأخرى؛ هو المسجد الذي أسري برسول الله إليه ليلا على ظهر البراق، في ظرفية كان فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطهدا تتطاول عليه ألسنة كفار قريش وافتراءاتهم. كان الإسراء به تسلية وتشريفا له وتكريما؛ أسرى الله به إلى بيت المقدس إعدادا له للترقي والعروج إلى السماوات العلى ليريه من آياته الكبرى، ليس اختيارا عبثيا للمسجد الأقصى…هو القدس!
إذا كان اهتمام المسلمين بهذا البيت المشرف المقدس؛ فلماذا يريد الصهاينة دخوله والاستيلاء عليه؟ لما كان تشريف الله لهذا البيت؛ كان أمرا عاديا أن نرى كل هذه التطاولات على هذا المسجد المعظم، فاليهود “يعتقدون” أنهم شعب الله المختار، ولا يليق بمن كان هذا الاعتقاد ديدنه أن يرضى بمكان دوني رخيص؛ لا بد وأن يبحث عن ما يناسب اعتقاده. وهل هذا مبرر لغصب أراضي فلسطين واحتلالها والاعتداء على محارم مسجدها المقدس؟
في اعتقاد المنصفين لا يوجد مبرر للاغتصاب؛ لكن السياقات الدولية أملت وعودا واتفاقيات تقضي باستحقاق الأراضي الفلسطينية لليهود عنوة، هي مصالح للعالم وكعكة صهيونية تُقتسم؛ لكن أصحاب الأرض الفلسطينية لهم رأي آخر.
شعب من طينة أخرى!
إن المتتبع للهجمات المتتالية للصهاينة الغاصبين على القدس الشريف ليرى الملحمة التي يجسدها أهل فلسطين الأبية، والبطولات التي تشهدها ساحات المعارك هناك..هي دروس مجانية في الرجولة يقدمها شباب فلسطين للأمة وللعالم فمن يتلقاها؟
يخالجني شعور دائما وأبدا أن أهل فلسطين ليسوا بشرا، أو على الأقل ليسوا من طينتنا ولا فصيلتنا، هم أناس أوفياء تمسكوا بقضيتهم وإن خانها الجميع، هم قوم لا تعيى نساؤهم من وهب أولادهن لحماية المسجد الأقصى. فما تقول لأم استشهد أولادها الأربعة فقالت: لا بورك رحمي إن لم يتكون فيه من يحمي دينه ويدافع عن أقصانا؟ وكيف لا تتهم رجولتك أمام زوجة جاءها خبر استشهاد زوجها فقالت: أغبطه على الشهادة؛ موعدنا الجنة!
صادقٌ من قال: لو كانت النساء كما عرفنا لففضلت النساء على الرجال. أهم قوم عاديون؟ أم أن الخلل في قلوبنا التي مات فيها تعظيم حرمات الله؟ هؤلاء من كوكب آخر، هؤلاء قلوب لا تعرف الخوف، هؤلاء دماء تنثر في سبيل الدين، هؤلاء رجال في زمن الذكورة، هؤلاء فخر الدين وحُماته، هؤلاء مرابطون؛ فذلكم الرباط..اللهم انصرهم بنصرك وأيدهم بتأييدك.
أين يختفى دعاة الحوار والتعايش؟
في كل هجوم على القدس يسألني قلبي لماذا كل هذا الهجوم؟ لماذا كل هذا الاضطهاد؟ ألم يان لأهل فلسطين أن ينعموا بالأمان وهم يصلون في القدس؟ أين هم دعاة الحوار؟ أين هم المنظرون للسلم والتعايش؟ هي أسئلة تطرح؛ لكن الواقع لا يجيب مع الأسف، الحقيقة أن الواقع يتقنع بقناع الحوار والسلم؛ ولكن الوجه الحقيقي أن الحوار والتعايش يستعمله الناس والعالم كيف ما شاؤوا ووقت ما شاؤوا…كأنه عصر صكوك الغفران بمساحيق التجميل.
لا أدري حقيقة ما سر كل هذه الندوات والمؤتمرات حول السلم والتعايش والحوار!؟ لمن تقام هذه المؤتمرات؟ أين المحاوِر والمحاوَر؟ مؤتمرات تقام بمأدبة الغذاء فيشبع الناس على ظهر آلام الإنسانية. هل هذا الحوار الذي نرومه خاص بأناس دون آخرين؟ أم أن دعاوى الحوار “موضة” نحاول أن نظهر بها متحضرين متفتحين؟ هي شعارات ترفع ولكن المحتوى فارغ!
لك أن تأخذ المسجد الأقصى مثلا أو أرض فلسطين كلها؛ ضعها في ميزان المقارنة؛ إن تأذت شعرة من “إنسان غير مسلم” أو أضرمت نار الحرب في بلد غير مسلم رأيت الشعارات “الزائفة” ترفع منادية بوقف الحرب أو رد الاعتبار..والمسجد الأقصى وفلسطين؟ أليسوا من بني الإنسان؟ ألا يستحقون السلم؟
ترى ما رأي أرباب دعاوى السلم والتعايش “الزائفة” في اقتحام بني صهيون للمسجد الأقصى وانتهاك حرمته وترويع المصلين فيه؟ أي تسامح وأي سلم وأي ضمان للتعددية الدينية تجوز ذلك؟ لم لا نرى التنديد بمثل هذا؟ هل نرى الاعتداءات من المسلمين على حرمة الكنائس ودور العبادة للآخر؟ ما موقف أرباب دعاوى الحرية الدينية؟
هنا تغيب أصوات دعاوى التعايش والسلم..هنا تخفت أصوات الذين يلمعون صور الإنسانية الإعلامية المزيفة..هنا تخرص أفواه الذين يقتاتون على آلام المسلمين..هنا تسكت أصوات الذين يركنون إلى الصهاينة الغاصبين..كفى نفاقا! إن الإنسانية واحدة؛ والإنسان من حيث هو إنسان يستحق الأمن والأمان مهما كان دينه ولونه وعرقه؛ فلماذا يحجر الناس واسعا؟ أم أنها حاجة في نفس يعقوب يقضيها؟