إنجازات الحرب: كيف حققت المقاومة ما لم تحققه الجيوش العربية؟

قد يكون من السابق لأوانه التحدث عن الإنجازات والحرب ما زالت تدور رحاها، والمجازر ما زالت ترتكب في حق الشعب الفسطيني في غزة والضفة والداخل، لكن وكما جاء على لسان المحلل العسكري فايز الدويري فعدم الانهزام بالنسبة للمقاومة انتصار وعدم الفوز بالنسبة للاحتلال خسارة. وهذا هو أول إنجاز تحققه المقاومة، حيث أثبت أنها رقم صعب في المعادلة وليس مجرد جماعة مقاتلة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالإنجاز الحقيقي أن المقاومة هذه المرة كانت من موقع الفاعل وليس المفعول به، فكانت هي من اختارت بدء المعركة في السابع من أكتوبر المجيد، فبينما من قبل كانت الحرب على غزة مجرد دعاية انتخابية يحصد من خلالها رئيس الكيان الصهيوني أصوات المتطرفين، أصبحت الحرب على غزة ذات تبعات عسكرية واقتصادية وسياسية وثقافية. وفي جميع الحالات الاحتلال الصهيوني خاسر في هذه الحرب التي اختارتها المقاومة بدقة عالية في التوقيت والزمان والمكان.

والإنجاز الثالث يتمثل في أن الجميع عرف الكيان الصهيوني على حقيقته بعد المجازر التي ارتكبها، والتي ما زال لحدود كتابة هذه الأسطر يرتكبها، هذه الصورة التي حاول الكيان الصهيوني على مدار عقود تجميلها، وهنا وضعت المقاومة الفلسطينية العالم أمام معضلة أخلاقية، وقد فشل العالم بأسره في معضلته تلك إذ من ناحية غض الطرف على الجاني ومن ناحية اتهم المجني عليه، لقد استاطعت المقاومة رغم الثمن الكبير الذي دفعته من الدماء الزكية للشهداء الذين ارتقوا في هذه الحرب استطاعت أن تبين نفاق وزيف معايير العالم الغربي بشكل لم يعد يمكن معه السكوت عليه. لكن، وللأسف الكل ساكت، فقد أحرجت المقاومة الجميع ولهذا يرغبون في التخلص منها، لأنها تذكرهم بنفاقهم وبذعرهم.

مقالات مرتبطة

الإنجاز الرابع يتجلى في إرجاع فلسطين لمحور الأحداث وإلى قلب الصراع الغربي العربي، وبأن العالم لن يعرف السلام ما دام الفلسطينيون يعيشون تحت وطأة اللاحتلال، فبينما كان الاحتلال الصهيوني يظن أنه أصبح مرحبا به بين الإخوة الأعداء وراح يعقد الصفقات والمعاهدات الاقتصادية والعسكرية، يأتي يوم السابع من أكتوبر ليعيد خلط الأوراق. ولهذا أيضا يرغب بعض العرب قبل حتى من الغرب التخلص من المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس.

الإنجاز الخامس والأهم إحياء القضية الفلسطينية في قلب جيل كامل، ما يضمن للقضية استمرارها، وهذا كان أشد وطأة على الاحتلال الذي كان يراهن على الوقت حتى يجعل الأجيال تنسى قضيتهم المركزية والذي صرح رئيس وزرائه بن غوريون بذلك حيث قال: “الكبار يموتون والصغار ينسون”، يأتي يوم السابع من أكتوبر وما تبعه ليعيد بعث القضية في نفوس الأجيال الصاعدة، وبهذا تفهم لماذا يتعمد الاحتلال قتل الأطفال في غزة، ومن جهة أخرى صرف ملايير الدولارات لتحسيين صورته في الغرب عبر إشهارات موجهة بالخصوص للأطفال.

سادس إنجاز يمكن عده في هذه القائمة، هو بيان مدى ضعف وهشاشة جيش الاحتلال، هذا الجيش الذي ظل لأعوام يخوف العرب بأسطورة “الجيش الذي لا يقهر” ظهر للعيان الخوف والجبن الذي يتملك هذا الجيش، ومن جهة مدى تخبطه وما قتله بعضه البعض إلا دليل على هشاشة وتصدع هذا الجيش الذي ظهر أن يقهر ويقهر من مقاومين حفاة كل ما يملكونه عقيدة قوية وعزيمة وحب الشهادة. وهذا يجرنا للإنجاز التالي فعدم تحقيق أي إنجاز لهذا الجيش المهترئ والمتشرذم هو إنجاز للمقاومة.

وإن بقاء الاحتلال ليس دليلا على قوته وأنه لا يقهر كما ظل يسوق، بل دليل على تخاذل الحكام والجيوش العربية، وهذا ما بينته المقاومة في ظل الحرب الدائرة، وكما ذكرت آنفا فإن تعداد الإنجازات والحرب ما تزال قائمة قد يكون إجحافا في حق المقاومة، ولكن تخيل عزيزي القارئ، والمهتم بالشأن الفلسطيني أن هذه الإنجازات كلها تحققت في أقل من شهرين والحرب قائمة، وما بعد الحرب هو حتما إنجاز آخر ينضاف لسلسلة الإنجازات فالقوس مفتوح والأيام ستظهر ماذا ستحقق المقاومة أيضا من إنجازات أخرى، كل هذا في ظل تواطؤ العالم من جهة وتخاذل العرب من جهة أخرى.