مقال عن المقالة

345

قرأت لدوستويفسكي صحيح؟ وطبعا من العبث أن أسألك هل تعرف دوستويفسكي، بل ربما تجد ذلك قدحا مني فيك وانتقاصا منك وفي اطلاعك الواسع. وقطعا لن أسألك عن رأيك في هذا الروائي العظيم الذي لا يقرأ له أحد إلا ويعترف على أنه أعظم روائي على مر التاريخ.

روائي إنساني شمولي، ومحلل سبر أغوار النفس البشرية. لا يمكن أن تقرأ له ولا تجد نفسك في شخصية من شخصياته، وتجده يحلل ويقول عنك ما لا تعرفه أنت عن نفسك أو ما لا تقدر على وضع يدك عليه وقوله، يقوله هو بكل سلاسة ويسر. هذا العظيم والمبجل دوستويفسكي له مقالة بعنوان “المسألة اليهودية” لا أظنك اطلعت عليها، نُشرت هذه المقالة أول مرة في مجلته “يوميات كاتب” سنة 1877. وستنشر فيما بعد هذه المقالة في الأعمال الكاملة لدوتسويفسكي لكنها ستعود وتختفي من كل الأعمال الكاملة بعد ذلك حتى التي نشرت بالعربية والتي ترجمها السوري سامي الدروبي.

تحدث دو في هذه المقالة عن اليهود وحلل شخصية هذا الكائن المسمى اليهودي، مع أنه صدر مقالته بقوله:

“لا تظنوا يا سادتي أنني أزمع التورط حقا في إثارة (المسألة اليهودية). فإثارة مسألة على مثل هذه الجسامة كوضع الفرد اليهودي في روسيا، وأوضاع روسيا التي تضم بين ظهرانيها ثلاثة ملايين يهودي، لا طاقة لي بها ولا حول.. تلك مهمة تفوق قواي”، ثم يضيف أنه يتحدث في هذه المسألة من باب اللطافة وحسب. ولكنه اغتاظ كثيرا من اتهامه بكراهية اليهود في رسائل وصلته مما أسماهم “اليهود المتعلمين” أي المثقفين، ورد على رسائلهم على اتهامه بكراهية اليهود. وفي معرض رده عليهم سيحدد لنا دوستويفسكي السمات والصفات التي تقوم عليها الشخصية اليهودية وتميزها عن غيرها، والتي نجملها في ما يلي:

أول هذه السمات هي التعالي والفوقية، فاليهودي يرى نفسه فوق الجميع دائما وأن الجميع عبيد عنده ويستدل بفكرة “شعب الله المختار” هذه الفكرة العتيقة التي يؤمن بها حتى اليهود الملاحدة (هذه الإشكالية -ملحد ويهودي- ناقشها الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته اليهود واليهودية والصهيونية، وقال إن اليهودي المولود لأم يهودية يعتبر يهوديا حتى ولو أنكر هو ذلك أو أنكر وجود إله) ورأى دوستويفسكي أن هذه الصفة بالضبط صفة التعالي والنظر للآخرين -الروس في هذه الحالة- أقل منهم هي التي جلبت المشاكل لليهود. ولاحظ أن هذه الصفة كان يتشبث به اليهود وهم في الحضيض فكيف وهم اليوم في قوة.

ثاني صفة يحددها هذا الفيلسوف هي الجشع والطمع اللانهائي في اليهودي، هذا الطمع الذي يجعله يمتص دم العامل عنده ويجعله مرابي حقير وجشع على شاكلة شايلوك في مسرحية شكسبير “تاجر البندقية”. والسؤال الذي أطرحه أنا هنا، هل كل هؤلاء العظماء من شكسبير إلى دوستويفسكي هل يكرهون اليهود بلا سبب؟ أم أنهم رأوا منهم ما يستدعي كرههم؟

ثالث صفة يحددها دوستويفسكي في اليهود وهي العزلة، والعيش في مجمعات وأحياء خاصة بهم أو ما يعرف “بالغيتو” بحيث لا يختلطون بالسكان الأصليين، هذا جعل اليهودي يرى دائما الآخر على أنه عدو ويتخذ منه موقف مسبق وبالتالي يفضل الانعزال عنه والعيش في مجتمعات مصغرة، وراح دوستويفسكي يعدد كيف كان الشعب الروسي طيب ومتقبل لوجود اليهود في دولتهم بينما كان اليهودي يصر على عدم الاندماج وعدم التمازج مع السكان الأصليين، ويفضل العيش في معزل. ويقول: “وأؤكد في المقابل على أنّ التحامل والظنّ المسبق قابعان في الطرف اليهوديّ أكثر منهما في الطرف الروسيّ”.

رابع صفة -والتي أراها صفة ذميمة وأقبح صفة وأكثر صفة أكرهها في اليهود شخصيا- هي العيش على المظلومية والتشكي.. ولاحظ أن هذه الصفة يرصدها دو في 1877 فهي إذن قديمة في اليهود حتى قبل وقوع ما يسمى “بالهولوكوست” لكن أين يقبع قبح هذه الصفة، وهنا سأعطي إجابة من دوستويفسكي وإجابة ثانية يفرضها واقع يوم المعاصر:

يقبع قبح هذه الصفة حسب دو أنها جعلت اليهود يأخذون من الحقوق حتى أكثر مما للسكان الأصليين في دولة ما، ومع ذلك دائما ما تجد اليهود يتباكون ويشتكون من الاضطهاد ومن الكراهية. أما ما يفرضه واقع اليوم وهو أن هذه الصفة والعيش الدائم على دور الضحية والتذكير دائما بالهولوكوست جعلت الصهاينة لا يحاسبون على الإبادة الجماعية وعلى أبشع الجرائم مرت في التاريخ البشري كله، وأنا هنا لا أبالغ. فمهما فعل الصهاينة لن يحاسبوا، لأنهم يلوحون دائما في وجه العالم بورقة المحرقة (تذكر مداخلة المحامي الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية وكيف ركز كثيرا على المحرقة وعما عاشه اليهود المساكين المظلومين المقهورين). والسؤال هنا هل وقوع الظلم عليك مبرر لك لتوقع أنت الظلم على الآخرين؟ وحتى إذا أجزنا لك ذلك فلماذا لا تنتقم ممن ظلمك مباشرة؟ فما دخل الفلسطيني في كل ذلك؟

خامس صفة هي اللاشفقة واللارحمة، فاليهودي يعامل الآخر كيف ما كان بلا رحمة ولا شفقة، فيقول دو: “اسألوا السكّان الأصليين في بقاعنا النائية: ما الذي حرّك اليهود وما فتئ يحرّكهم طوال القرون الماضية؟! أؤكد أنكم ستحصلون على إجابة واحدة من الجميع: اللاشفقة” ثم يتساءل دوستويفسكي: “ماذا لو لم يكن عدد اليهود في روسيا ثلاثة ملايين؟ ماذا لو كان العكس هو الصحيح، بحيث يكون عدد اليهود ثمانين مليونًا، بينما عدد الروس ثلاثة ملايين؟ ماذا كان ليفعل اليهود بالروس؟ هل كانوا أعطوهم الحقوق نفسها التي يتمتّعون بها؟ هل كانوا ليسمحوا لهم بالصلاة -بحريّة- بينهم؟ أما كانوا حوّلوهم إلى عبيد؟ وأسوأ من ذلك كلّه، أما كانوا سلخوا جلودهم أجمعين؟ أما كانوا ضربوهم حتى الإبادة مثلما فعلوا مع الشعوب الغريبة عنهم في تاريخهم القديم؟

كانت هذه جل الصفات التي استشفها دوستويفسكي في الشخصية اليهودية ومع ذلك دعا في الأخير اليهود في روسيا إلى الأخوة الإنسانية إن كانت حقا لهم نية صادقة، ولكن بقي متوجز منهم، وتنبأ وكعادة الكتاب العظام بما سيقع للعالم من وراء اليهود هذه الشخصية الجشعة والمتعطشة للدماء وقال: “وأقلّ ما يسعني قوله هنا هو أنني لا أثق البتّة بأولئك اليهود المتعلّمين الذين يتظاهرون بالإلحاد: إنّهم من العجينة الجاهلة ذاتها، والله وحده يعلم كم ستعاني البشريّة من هؤلاء اليهود المتعلّمين.”

1xbet casino siteleri bahis siteleri