كلنا نعاني، لكن هناك من يفضل أن يتخذ المعاناة حجة لدخوله في أزمة عاطفية، فانهزم لها واتخذها حجة وتبريرا لذلك الانهزام.. وهناك من يطور من نفسه ويجعل المعاناة دافعا أساسيا في حياته لمواجهتها والمضي قدما نحو تحقيق الأفضل، ورسم خطط العمل على تحقيق أهداف، وكثير منا يفضل استخدامها كحجة.
ولكي أقرب لكم المثال هنا من المحيط الذي نعيش فيه، هناك تلاميذ أو طلبة أو بصفة عامة متعلمين؛ وبحكم أن هذه الأجواء المتوترة التي يواجهها قطاع التعليم أكيد فكرة واحدة خطرت بذهنك، وهي “الإضرابات” هنا سنتوقف، الإضرابات يعني شيء واحد وخاصة مع هذه الأجواء الشتوية، هذا يعني المكوث في المنزل وبطبيعة الحال الخروج والدخول من تطبيق لآخر من جهاز الهاتف، والوقت يمضي والروتين المُمل، فهناك بعض المُتعلمِين سَيفرحون ومِن جهة ثانية بحكم وقت الفراغ الفائض والدراسة المتوقفة، فهناك من سيفكر في طريقة يجعل بها الوقت يمر بسرعة فقط، وهي بالتأكيد حالة تنطبق على الجميع.. كما أنه فقط مجرد تبرير لكي لا تقوم بمجهود، وهنا تكون قد وقعت في الفخ الذي نصبه عقلك بطريقة أو بأخرى، فيؤدي ذلك إلى خمول العضلات والأهم هو دماغك هو الآخر يتعرض للكسل حتى قلبك، كل هذه الأعضاء تتعرض للخمول والكسل فيُعجزك عن فعل أي شيء أو القيام بأدنى مجهود، وبالتالي أنت بكل بساطة تخضع لهذه الوقائع التي تحيط بك وهذه الحالة التي تلازمك.
من جانب آخر، إذا عدنا بالذاكرة للوراء سنرى أننا واجهنا هذا قبل سنتين أو ثلاث سنوات ربما.. المهم أننا عشنا حالة قاسينا فيها الكثير، وبالضبط الفكرة ستكون هي الحجر الصحي أي كورونا، وبطبيعة الحال هذه المرحلة مررنا منها وتجاوزناها، لكن هناك من خلَّفت به أثرا بلِيغًا، إما ضررا؛ والكثير من تجده مرض نفسيا أكثر من المرض الجسدي وانهزم له، أو منفعة وهنا سنجد آخرين استغلوا فترة الحجر الصحي وتعلموا أشياء جديدة، ومن هنا يعود القرار لك فإما أن تستغل الإضرابات في التعرف على مهارات جديدة واكتشاف أمور كانت مخفية، تعلم لغات كمثال وهكذا دواليك.
هناك الكثير لنفعله والوقت فارغ، كثيرٌ من الوقت لديك فاستخدمه واستغل ذلك الوقت فيما ينفعك، لا تصنع تبريرات لتماطل وتتهرب من الواقع. صحيح أنها إضرابات ولكنها لن تستمر مثال “كرورنا” هذا الأخير كان خير دليل، وبطبيعة الحال فترة وَولَّت. صحيح أنها صعبة، ولكنها لن تدوم وكما يقال دوام الحال من المُحال، فقم وابدأ وتعلم مهارات جديدة، كن ذكيا في عقليتك، لم أقل لك كن عبقريا وإنما كن ذكيا في التعامل مع هذه الأمور والمواقف التي تحصل معك، الإضرابات سيأتي وقت وستصبح شيئا من الماضي، قابلا للنسيان، والوقت الذي ضيعته هو الذي لن ينسى من ذاكرتك لأنك وبكل بساطة أهدرته في التفاهة، وستندم عليه في ما بعد إن لم تتدارك الموقف.
ولكن إذا فكرت قليلاً ووضعت خطة تعرف فيها الأمور التي عليك القيام بها ما دام هذا الإضراب قائم، فلا تضيع الوقت في أمور تافهة لن تعود عليك بمنفعة، ولكنها ستضرك. كيف؟! نعم ستضرك بقتل ذلك المحارب داخلك وكبت جماحه، لأوضح أكثر، كل واحد منا عنده هذا المحارب في داخله، ولكن كل واحد فينا وكيف يُخرجه ويستعمله ويستعين به في الوقت المناسب أو لنقل الوقت الذي يجب فيه أن نُخرجه ونحرره، هذا ليس كلاما من روايات أو أفلام خيالية، وإنما شيء حقيقي وعشناه، بمعنى الجهد الذي تمضي به وقتك أمام شاشة بدون شيء تنتفع به، أنت بنفسك تقتل ذلك الجهد وهو ذلك المحارب، والمفروض أن تستخدمه الآن في ما هو نافع، الوقوف أمام شاشة ٢٤ ساعة بلا فائدة فهذا قتل لنفسك، ولقدراتك، والأهم من ذلك المحارب والذي أعني به ذلك الجهد.
أنت نعم أنت؛ أنت تمتلك جهاد كبيرا ولكنك للأسف لا تستخدمه فيما هو مفيد لك، وهنا كنصيحة اعمل بها أو لا .. هي مسؤوليتك فتحمل عواقبها، من الآن وقبل نهاية هذه الإضرابات خذ ورقة وقلما وسجل الأمور التي عليك القيام بها. تخيل أن الإضرابات عاصفة رعدية، هل ستدوم؟! بالطبع لا، ستمر بكل تأكيد، إذن لماذا تضيع وقتك في التفاهات؟! تَعلَّم كيف تستغل الوقت الإضافي الذي أهدي لك الآن، لديك الكثير لتفعله، تعلم مهارات، هوايات، اقرأ الكتب وتعلم لغات، الكثير والكثير لتقوم به في هذه الفترة إلى جانب ما هو أولي وأهم وهو الدراسة، لأن مباشرة بعد العودة للحياة الدراسية المعتادة ستنهال عليك الدروس وهنا نعود إلى البداية، نظم وقتك، وكن ذكيا في طريقة التعامل مع هذه المواقف، الإضرابات فرصة ثمينة لتدرس فيها أكثر وبجهد أكبر وستكون النتيجة أفضل بكثير، ولتُنمِّي مهارات أكثر وتتعلم أكثر..
سأعيدها من الآن وقبل نهاية هذه الإضرابات خذ ورقة وقلما وسجل الأمور التي عليك القيام بها، تذكر أن الإضرابات لعبة وهناك نهاية، طريق له بداية ونهاية فاعتبر تلك الإضرابات هي بداية طريق لك، طريق مليء بالصعوبات تذكر أنك فيها ستحقق نجاحات، وبالطبع لا نجاحات بدون إخفاقات لكنك سَتواجهها وستتجاوزها، وتتعلم منها لكي لا تكرر نفس الأخطاء، اعتبر الإضرابات وِجهة لتَتغَّير للأفضل والأحسن، الشخص القديم سيصبح ورقة مآلها سلة المهملات، الآن أنت شخص جديد ستتعلم وقد تتغير للأفضل بسبب تلك الفرصة الثمينة، فلا تضيعها حتى لا تندم.
حان وقت التغيير والتميز والتألق وهذا في مصلحتك بالدرجة الأولى، كلامي موجه للعموم وبالخصوص للذين لا زالوا يدرسون. فاسمعني جيدا لا تضيع فرصتك هذه، انهض من مكانك اضبط المنبه على وقت استيقاظك، ابدأ يومك بنشاط بتمارين رياضية خفيفة، استنشق الهواء، تناول الفطور، واكتب خطة، سجل فيها ثلاث مهام لا أكثر ولا أقل لتكون قادرا على اتباعها وإنجازها، واستمر فالنجاح سيكون حليفك بإذن الله.
وخلاصة القول، الإضرابات ضربات تدفع بك للأمام فلا تترك الكسل يوقعك في مصيدته، كن أذكى منه وتعامل مع الوضع على أنه سيمضي شريطة أن تطور من قدراتك وتتعلم أشياء جديدة ومفيدة… تذكر أن أي انقطاع كيفما كان لن يدوم طال الزمن أو قصُر، ستعود المياه لمجاريها .. فعوض أن تجلس مكتوف الأيدي تعلم ما يفيدك خيرا لك .. أضف إلى ذلك هذا الكلام، اعمل به على أساس أنها مشكلة كيفما كان نوعها إضراب انقطاع .. تعلم كيف تواجهها تستغلها لصالحك، تعلم كيف تجعلها تحسن منك وتطور قدراتك فهذا هو السر في كل عقبة تحول دون تقدمنا التعامل بذكاء وتطوير المهارات والعمل على التحسين من أنفسنا.
والسلام.