الحياة المثالية المزيفة

مواقع التواصل الاجتماعي سيف ذو حدين، تحتاج أن تتسلح ببعض الآليات حتى تتمكن من التعامل معها بذكاء وحرص شديدين، حتى لا تقع في فخ تضخم الأنا والكبر والعجرفة وغيرها من أمراض النفس التي انتشرت في أوساط معشر بعض الفاعلين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.

أن تصبح «عبدا» «للايكات» أو «الكومنتس» أو «شيرز» هذا مشكل حقيقي وقعت فيه دون أن تدرك خطورته، أن تتفقد هاتفك أو حاسوبك مئات المرات حتى تتأكد من مدى انتشار صورتك أو منشورك هذا هوس انتشر في وجدانك دون أن تشعر، أن تتقلص قيمتك وتُختزل في عدد متتبعي صفحتك هذا يعني أنك سلعة تستعملك بعض الأطراف متى احتاجت أن تروج لمنتوج معين أو خدمة معينة. أن تصبح «عبدا» لهاتفك وأن لا يفارقك أبدا كيفما كانت الظروف، هذا يعني أنه ارتباط مرضي وأنك أصبحت رهينا بأداة جامدة لا روح فيها؛ فالهاتف بالنسبة لك رفيق الدرب، تُصور به وجبة المطعم الفاخر حتى وإن لم يعجبك طعمه، تستعمله لالتقاط بعض صور الفندق الذي أقمت فيه حتى وإن لم تعجبك خدمة الغرف فيه، تستعمله لنشر بعض الصور العائلية رفقة والديك حتى وإن لم تزرهما منذ مدة طويلة ، تستعمله لنشر صورة رفقة زوجتك حتى وإن كنت اختلفت معها للتو.

أصبحت لك القدرة اليوم أن تعيد بناء حياتك كما تحلم أنت، وأن تبرز الأجمل والأبهي من حياتك اليومية، وأن تغض الطرف عن كل ما هو قبيح وكئيب، فيتصور المتلقي أن حياتك مثالية لا مشاكل فيها ولا عراقيل، ،وأنك إنسان ناجح ابتسم له الحظ يوما.

أصبحت لك القدرة الهائلة على رسم معالم جديدة لحياتك بسيناريو وإخراج محكم أنت بطله، تُسَوق لنفسك صورة قد تكون في، أحيان كثيرة، غير حقيقية وبعيدة كل البعد عن شخصيتك، وفي أحيان أخرى تََُسَوق لصورة تتمنى أن تكون مثلها يوما ما، وقد تعيش الدور كاملا فتصدق أنك فعلا تلك الصورة التي في مخيلتك هي أنت وأنت هي، قد يكون نوع من ازدواج الشخصية الاختياري، اخترته لنفسك وتعيش من خلاله تلبية لرغابتك.

مقالات مرتبطة

ولكن هل وقفت يوما ما أمام المرآة لترى شخصيتك الحقيقة، هل وقفت أمام نفسك لترى حقيقتك وتقر أنك مثلك مثل الآخرين، إنك لا تبتسم طوال الوقت، إنك تفقد أعصابك أحيانا، إن حياتك ليست مثالية كما تحاول أن تُظهر كل يوم، إن أطفالك ليسوا دائما هادئين ومطيعين ، إنك لا تأكل دائما بالمطاعم الكبرى، ولا تختار ملابسك من الماركات العالمية فقط، وأن حذاءك الأخير الذي اقنتيته حاولت توفير ثمنه لمدة تجاوزت السنة لكي تأخذ صورة به وتنشره وتدخل مرة ثانية في دوامة «اللايكات» و «الكومنتس»و «شيرز».

الكثيرون ليسوا واعون بخطورة هذا الأمر، الأمر يتعلق ببناء حياة افتراضية غير واقعية وأن تشكل سلسلة من العلاقات الافتراضية لا تربطك بهم إلا «لايك» أو «كومانت» أو «شير»، وفي خضم هذه الزوبعة تنسى أن لنفسك عليك حق، تنسى أنك تدمر وبيديك تركيبتك النفسية، وتحول حياتك من حياة عادية إلى حياة افتراضية تتسم بالمثالية المزيفة.

كن أنت، لا تحاول أن تعيش في جلباب غيرك، لا تكن سطحيا تغتر بالمظاهر الخداعة، لا تترك الناس تهرول وراءك لكي تقلدك تقليدا أعمى وتتبنى نفس نظام حياتك على حساب نفسيتها وأسرتها ومحيطها، كن حاضرا على مواقع التواصل الاجتماعي ولكن بذكاء، أنشر ما يمكن أن يفيد غيرك ويوعيه ويخدمه، حافظ على نفسك وعلى خصوصيتك ولا تحول حياتك لكتاب مفتوح يطلع عليه الجميع، لأنه بذلك أعطيتهم الحق المباشر في أن ينتقدوك ويلوموك وأن يعتبروا أنفسهم أوصياء عليك، المتتبع لا يحتاج أن يعرف شكل غرفة نومك أو شكل مطبخك أو شكل صالونك، المتتبع لا يحتاج أن يعرف كيف هي علاقتك بالمحيطين بك، المتتبع لا يحتاج أن يعرف ماذا أكلت في الوجبات الثلاث لأن ذلك لن يضيف شيء في حياته.

كت أنت لا تتصنع، حافظ على تركيبتك النفسية، احفظ الأنا من التضخم، حافظ على نفسك من الكبر، وحاول أن تترك أثرا طيبا إيجابيا بعيدا كل البعد عن السطحية البئيسة والمثالية المزيفة.