هل تغير معيار النجاح؟

منذ عقود تكرست صورة معينة عن الشابة الناجحة والشاب الناجح، والتي كانت تبرز أساسا في مجال التحصيل العلمي، والمجال العلمي والأدبي، كنا نفخر بالشاب الأديب والشابة الشاعرة، والممثلة المسرحية التي تقدم الأدوار الخالدة، والشاب الحاصل على دكتوراه في الفيزياء النووية، والشابة الحاصلة على دكتوراه في الرياضيات، والمحامي، والقاضية، والأستاذ، والمعلمة… وغيرها كثير من المهام الثقافية ،والعلمية والأدبية والسياسية والاجتماعية.

الوضعية اليوم تغيرت، ولم تتغير تغييرا بسيطا وسطحيا بل تغييرا جذريا استرعى اهتمام العديد من المتتبعين. منظومة القدوة تعاني من خلل كبير، منظومة القيم تموت كل يوم في صمت شديد. في الأمس القريب، كانت قدوتنا هي ابنة الجارة التي استطاعت أن تتفوق في تحصيلها العلمي، وكان القدوة هو ذلك الإعلامي والصحفي الذي يطل علينا في برامج حوارية، ينقل لنا الحقيقة بكل تجرد ومهنية، وكانت القدوة كذلك الطبيبة التي تقوم بعملها بإخلاص ومهنية وإنسانية، وكان القدوة ذلك الأستاذ الذي يقدم رسالته بكل حب و إخلاص وبلا كلل ولا ملل، والأمثلة كثيرة مرة أخرى لا يمكن حصرها.

وضعية الأمس لا تشبه نهائيا وضعية اليوم، تغيرت المفاهيم وتغيرت المبادئ وتغيرت التوجهات وتغيرت الأولويات كذلك، إذا أخذت كمثال الإعلام المغربي، الفترة الوحيدة من السنة التي يتم الترويج فيها لتفوق الشابات والشباب هي في مجال التحصيل الدراسي خلال فترة نشر نتائج الباكالوريا، وهي مسألة محمودة ولكن غير كافية بتاتا. لا نروج أبدا للشابات والشباب الذين يصنعون الحدث دائما في مجال البحث العلمي والذين يتفوقون في التفكير في اختراعات مهمة، ولو أُعطي لهم الدعم المناسب لساهموا مساهمة فعالة في تطوير وتنمية مجالات متعددة في المجتمع. لا نروج أبدا للشابات والشباب الذين يتفوقون في تقديم أبحاث مهمة في مسارهم الدراسي سواء كان الأمر يتعلق ببحث الإجازة أو بحث الماستر، أو بحث الدكتوراه. لا نروج أبدا للشابات والشباب الذين استطاعوا أن يصبحوا أدباء وشعراء وتفوقوا في نشر ديوانهم الأول أو روايتهم الأولى رغم صغر سنهم. لا نروج أبدا للشابات والشباب الذين استطاعوا أن يقوموا بإخراج عمل سنيمائي أو تلفزي بمهنية وحرفية قل نظيرها… والأمثلة كثيرة مرة أخرى.

مقالات مرتبطة

ولكن بالموازاة مع ذلك، تجد الإعلام يهرول وراء الترويج لنماذج جديدة يُراد لها أن تصبح قدوة للجيل الجديد، قدوة لجيل سيكون من مهامه المستقبلية بناء المجتمع ومواصلة عمل الأجيال السابقة. يتم الترويج اليوم وبقوة لمغني تخرج من مسابقة فنية بإحدي دول الشرق الأوسط، أو لملكة جمال استطاعت أن تدخل غمار التمثيل والسينما والتلفزيون رغم عدم تكوينها في المجال، أو لعارضة أزياء فرضت نفسها في جميع المجالات في غياب التكوين مرة أخرى، أو لوجوه ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي فتم تسليط الضوء عليها إعلاميا لتتحول بين ليلة وضحاها إلى قدوة لجيل بأكمله رغم ضعف وسطحية المنتوج الذي يتم تقديمه. نعم هذه هي الحقيقة المرة التي نعيشها اليوم. هؤلاء هم قدوة أطفالنا اليوم، لأنهم يسوقون لأنفسهم كشخصيات ناجحة استطاعت أن تتسلق سلم النجاح والشهرة في وقت وجيز. تَحوُّلنا لمجتمع استهلاكي بامتياز ومجتمع سطحي ومجتع مادي حَول كذلك مفاهيم تحديد معيار النجاح، فالمعيار الوحيد الذي يتم الاعتراف به اليوم هو المعيار المادي فقط. قل لي كم تربح أقول لك هل أنت ناجح أم لا ضاربين عرض الحائط منظومة القدوة والمبادئ والقيم. والإعلام يتحمل كذلك مسؤولية هذه الوضعية، هم سوقوا لأنفسهم والإعلام سلط عليهم الضوء من أجل المساهمة في انتشار أقوى وأشرس.

من واجب الإعلام أن يقوم بالحفاظ على الخط الناظم الذي سيحمي هذا الجيل من الانزلاق في بئر الرداءة والسطحية والمادية، من واجب الإعلام أن يساهم في إعادة الروح لمنظومة القيم، من واجب الإعلام أن يفرز لنا شخصيات جديدة تكون قدوة لهذا الجيل، شخصيات تقدم منتوجا حقيقيا ذا  قيمة وإضافة نوعية لهذا المجتمع، شخصيات ستدفع الجيل الجديد لترك بصمة حقيقة فريدة تكون هي النقطة المضيئة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri