تعلم لغة أجنبية ينبغي أن لا يأتي إلا بعد بناء أساس متين من اللغة أو اللغات الأم. وهذه هي الممارسة السائدة في البلدان التي تضع سياساتها التعليمية واللغوية بناء على اختيارات شعبية ومحلية وبعيدا عن إملاء موظفين مركزيين مستبدين.
أسبقية اللغة الأم مسألة لا تحتاج دفاعا ولا تبريرا. هي الطبيعة وهي المنطق. اللغة ثقافة وهوية ولا يمكن أن يكون استبدال لغة شخص وأسرة ومجتمع بلغة أخرى عملا يسوغ بضرورات الاقتصاد أو غيره.
وتنتشر بين مدرسي اللغة وتلاميذها فكرة عدم استخدام الترجمة والمعجم المزدوج. وأن من الأفضل تعلم اللغة الأجنبية بدون استخدام وساطة اللغة الأم.
وحسب تجربتي ودون ادعاء خبرة في تقنيات تعليم اللغة أجد هذا التقييد متعبا وغير منطقي.
استخدام المعجم ثنائي اللغة ساعدني كثيرا في دراسة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية.وكان من فوائد المعاجم ما يلي:
– ضبط معنى الكلمة
– التأكد من معرفة مرادف الكلمة الأجنبية في اللغة العربية
– مقارنة الكلمات ذات الجذر نفسه في اللغات المنتمية لنفس الأسرة اللغوية الكبيرة (الفرنسية والإنجليزية والإسبانية كلها لغات هندية أوربية بتأثير لاتيني قوي) أو الأسرة اللغوية الفرعية (الفرنسية والإسبانية لغتان متفرعتان عن اللاتينية.)
– التوسع في معاني الكلمة (كل معجم يختلف عن غيره.)
– تحديد أقرب مرادف للكلمة المطلوبة عند الترجمة.
وللاستفادة من المعجم لا بد من قراءة المادة كاملة والتعامل بحذر مع معاني الكلمات. وأخذ أول معنى تصادفه و أنت تقرأ المادة دون أن تتمها قد يؤدي بك إلى ما وقع لواحد من شراح كتاب (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري. الشارح كان يستخدم معجما مبسطا أو يأخذ أول معنى يصادفه في معجم كلاسيكي. وحين صادف كلمة (حيزوم) في قصيدة الجني المذكورة في الكتاب والتي مطلعها:
مكة أقوت من بني الدردبيس ….. فما لجني بها من حسيس
إلى قوله وهو يصف شهوده غزوة بدر:
جاهدت في بــدر وحاميــــت في ….. أحد وفي الخندق رعت الرئيس
وراء جبريل وميكـــــــال نــــخـ ….. ـلي الهام في الكبة خلي اللسيس
حين جيوش النصر في الجو والـ ….. ـطاغوت كالزرع تناهى، فديس
عليهـــم فـــي هبـــوات الوغـــى ….. عمائم صفـــر كلـــون الوريـس
صهيـــل حيــزوم إلى الآن فـــي ….. سمعي أكرم بالحصان الرغيس
الشارح وضع في الهامش “الحيزوم الصدر”. وواضح من السياق أن المقصود بحيزوم فرس جبريل. ولا يستقيم المعنى في البيت لو كان المقصود بالحيزوم الصدر.
فواعجبا من جرأة من لا يستطيع تمييز معنى سليم من معنى سقيم على شرح كتاب مثل رسالة الغفران.
وقد وجدت من المدرسين من يشدد على التلاميذ في عدم استخدام العربية مطلقا في حصة اللغة الأجنبية. وهذا يعقد عملية التعلم وينفر التلاميذ منها. التعلم ينبغي أن يظل مرنا وأن يكون القصد منه تسهيل تحصيل النتائج الجيدة وليس تحويل الحصص الدراسية إلى وقت مزعج.
المعجم من الكتب التي يجب أن تكون في كل بيت. وأن تستخدم بشكل منتظم. ويومي إن أمكن.
وحاليا تصدر نسخ جديدة من المعاجم المشهورة في الغرب كل سنة. ويقبل الناس عليها للإطلاع على ما استجد من الكلمات والمعاني. وللأسف نفتقد مثل هذه الحركية في صناعة المعاجم في العالم العربي.
وقد لاحظت خلال سنوات الجامعة أن كثيرا من الطلاب لا يتوفرون على معجم عربي في غرفهم. وكنت أسأل بعضهم فيجيب بأن الأساسي عنده بذل الجهد في تعلم الفرنسية وغيرها من اللغات الأجنبية وأنه إن اقتنى معجما فسيكون بتلك اللغات. وربما يضيف أنه لا يرى بنفسه حاجة لمعجم عربي. وهذا غاية الجهل ونهايته. وهؤلاء في الغالب لا يحصلون العربية ولا سواها من اللغات.
استخدام المعاجم مفتاح لضبط اللغة الأم وغيرها من اللغات. ويمكن استخدام المعاجم الثنائية والرجوع لعدة معاجم لضبط كلمة واحدة. وفي ذلك فوائد عظيمة فلكل معجم منهجيته وطريقته. فبعضها موجز مختصر يقدم المعاني الأكثر استخداما وبعضها يتوسع ويطيل. ومنها ما يقتصر على اللغة منها ما يورد الأعلام. ومن المعاجم ما يقدم شواهد على استخدام الكلمة من مشهور الأدب، فتكون الاستفادة مضاعفة.