بين الفشل والنجاح، هناك حياة

أحست بمشاعر إيجابية تسري في وجدانها، وانتابها شعور عارم ورغبة كبيرة في كتابة أشياء تذكرها بذلك اليوم الذي اجتازت فيه امتحان كلية الطب بنجاح، كان ذلك حلما راودها منذ أيام الصبا، أن تمنح الحياة لأجساد أنهكها التعب وتساهم في شفاء جراح قلوب أمضت ليالٍ كثيرة ترثي أسقامها، عاهدت نفسها في ما مضى أن تشري نفسها لضعاف الحال فترسم البسمة على محياهم من جديد. هكذا كبرت في مخيلتها أفكار الكتابة.

حينما شاركت أفكارها مع أحد الشباب على مواقع التواصل، كان مستعدا لمقاسمتها تلك الرغبة في الكتابة، كانت أفكاره مشتتة، بين واقع مليء بالتحديات ومستقبل غامض، لكنه جمع شتاتها وأخذ ورقة وقلما فاسترسل في كتابة أفكاره قبل أن يصيبها التقادم وتمحى من ذاكرته.

يعيش الإنسان حياة واحدة، ربيعا واحدا وسلسلة أحداث لامتناهية تجمع بين الخير والشر، والفرح والحزن، والسعادة والشقاء، لكن تبقى السمة البارزة في شريط الذكريات تلك الدمعة التي تباغت الإنسان حينما يحقق النجاح، ويصل إلى أهدافه التي خطط لها بعناية، ورسمها أمام عينيه، فكانت دافعا قويا للعمل والمثابرة، ومحفزا كبيرا على البذل والعطاء ومؤنسا رائعا في لحظات القلق والحيرة.

لقد أسست تلك الأهداف لمستقبل زاهر بالعطاء، وأبرزت مثالا جميلا في التفاني في خدمة الناس البسطاء في أروقة المستشفيات، وقاعات العمليات ومختبرات التحاليل، ما جعلها قدوة للأطفال الصغار، وحافزا لجيل ناشئ سيقول كلمته في مستقبل الأيام وسيجعل الوطن يفتخر بأشباله وزهراته الذين اختاروا التضحية بأوقاتهم في ربيع العمر من أجل خدمة المواطن البسيط وقضاء حوائجه، ومساعدته على مجابهة الصعاب ومواجهة المحن والشدائد التي لازمته في أيام حياته فجعلتها تبدو حزينة وقاسية.

إنها مجرد فكرة، كبرت وتربت في جسد يشع بالأمل والحياة، سقتها قطرات المطر المتطايرة على الأرض في ليالي الشتاء الباردة، فمنحتها القدرة على أن تكبر وتشتد وتصير هدفا كبيرا وحلما سيصير فيما بعد حقيقة، ووردة ستزهر مستقبلا في عائلة مثابرة، قوامها أب مكافح، وهب حياته لأطفاله، فعلمهم دروس الحياة، وزرع فيهم نبل الأخلاق ومحاسن الشيم، وأم حنون، شملتهم برعايتها وعطفها، وزرعت فيهم روح العمل والصبر والتفاني، فصاروا على الدرب ومن صار على الدرب وصل، إنها مجرد فكرة كبرت فصارت قصة جديدة من قصص النجاح التي تغنت بها العائلة لسنوات كثيرة.

مقالات مرتبطة

لا يختلف اثنان أن طريق النجاح شائك، وأن الوصول إلى الأهداف يتطلب تضحيات كبيرة بالوقت والجهد والمال، ستركب القطار الذي سيرحل بك إلى المستقبل المشرق، لكن في طريقك، ستمر بمحطات مظلمة، لن ترى فيها سبيلك إلى القمة، ولن تجد بمحاذاتك من يدلك عليها، لكن قوتك وإصرارك سيدفعانك إلى الصبر والاستمرار في المحاولة، وحينما ستضيق عليك الدنيا بما رحبت، سترى ضوءا خافتا ينير من مكان بعيد ويرسم لك معالم الطريق مجددا، ستمر بك أيام كثيرة من القلق والشك والحيرة والغربة، وستحذوك الرغبة في العودة إلى نقطة الصفر، لكنك لن تستسلم لأفكارك السلبية وستمضي قدما في الحياة التي اخترتها.

كنت تعلم منذ البداية أن الحياة التي اخترتها مليئة بالصعاب ومحفوفة بالمخاطر، لكن الله غالب على أمره، فالحكمة التي قذفها الخالق في داخلك جعلتك تعلم جيدا أن الفرج مع الصبر وأن مع العسر يسرا، لقد استطعت الوصول إلى النجاح لأنك الشرارة التي بداخلك لم تنطفئ في منتصف الطريق، ولأن شخصيتك القوية علمتك الصبر والمثابرة وجعلتك تحذو حذو الناجحين والمتميزين في هذا العالم المليء بالفشل والهزائم والإخفاقات..

بعد مرور السنوات، ستكبر وستصير شيخا هرما، لا يقوى على الحركة، سترى الحياة في وجوه الشباب والأطفال، وستتمنى أن يعود بك الزمن إلى الوراء لتحقق أهدافك وأحلامك، سيعتريك ندم شديد حينما تتذكر اللحظات التي اخترت فيها عدم المضي قدما في مشروع تأسيس جمعية خيرية؛ تجمع التبرعات للأيتام وتمنحهم الأمل في الكرامة والحياة، ستبكي على حلمك أن تصيرا باحثا كبيرا في الاقتصاد، تؤلف الكتب، تلقي المحاضرات وتقترح الحلول لإشكاليات الفقر والبطالة، كما ستتحسر على رحلة الحج التي ألغيتها في آخر لحظة بحجة رغبتك في اكتشاف العالم قبل تأدية واجبك الروحي وتجيب نداء خالقك، ستتمنى لو يعود بك الزمن إلى الوراء لتكون إنسانا ناجحا وقدوة للآخرين، وكنزا من كنوز الوطن، كتبت سيرته في صفحات التاريخ لتدرس للأجيال القادمة.

لا تستسلم لليأس، ولا تدع همزات الشيطان تشعرك بالخيبة والفشل، اشحن طاقتك وقوِّ عزيمتك، وامض قدما في الحياة لتكون إنسانا كما ارتضاه الله، لتعيش خليفة في الأرض، تنشر الخير على أرجائها، تساعد المحتاجين وتقدم النصح للغافلين عن رسالة الله للبشر، عش حياة متميزة لعلك تفوز بأعلى مراتب الجنة، وتصل لأسمى مراتب المجتمع، حيث يجتمع النجاح والتفوق الدنيوي بحسن الخلق والحكمة، توكل على الله في كل شيء ولا تعجز واستعن على ما أصابك من شدائد الدنيا وهمومها، فالحياة نهايتها محتمة والعاقبة للمتقين، وقبل أن تأخذ آخر نفس في حياتك، تأكد أنك كنت حقا إنسانا، وأن نفسك قد اختارها الله عز وجل ليقول لها: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}.