الحجر الصحي فرصة مثالية للخلوة مع الذات

يعيش العالم اليوم أزمة خانقة نتيجة الفيروس الفتاك Covid19، مما أجبر معظم الدول على اللجوء إلى حظر التجول وإعلان حالة الطوارئ، واتخاذ الحجر الصحي كحل لكبح جماح هذا الوباء والسيطرة عليه في أقرب وقت ممكن، وبما أن الحجر الصحي فكرة جديدة فرضت علينا وتجربة فريدة لم نسبق أن عشناها من قبل، فلعلها فرصة ذهبية للخلوة مع النفس والجلوس مع الذات واستكشافها، فرصة عظيمة قد تغير حياتنا ومستقبلنا، وتصحح مسارنا وتعود علينا بالنفع ونحقق بها نجاحات عظيمة.

فما الذي يجعل من لحظات الخلوة مغامرة مثمرة؟

لا شك أن الخلوة ليست أمرا غريبا أو جديدا علينا، لطالما سمعنا كاتبا أو فيلسوفا أو عالما اتخذ الخلوة ملاذا لإبراز الموهبة، والتعمق في التخصص، وتعزيز نطاق التفكير، والوعي الذاتي، والتفرد والإبداع، لكن يجب أن نعلم أن الخلوة ليست حكرا على فئة معينة من المجتمع فقط، بل هي فضاء قد يلجه الجميع دون استثناء، فهي متعة لمن ذاقها، تتيح لك لحظات صفاء مع ذاتك، لحظات نورانية تستمع فيها إلى صوت الله، صوت الضمير، صوت الطبيعة، وصوت الآخر، لتصبح أكثر فهما وتفهما لنفسك، وإخلاصا لربك، ومصداقية مع واقعك، بفضلها تسمو الروح إلى القمة. نعم هي فن لا يتقنه إلا المحترفون، فهي سنة الأنبياء والعلماء والعظماء والناجحين، هي مخاض إلهام الأدباء والشعراء والمبدعين في مختلف المجالات، فلعلها خطوتك إذن لتصبح منهم، أن تصبح مبدعا في مجالك، ناجحا في عملك، فهي بداية الطريق لاكتشاف الذات والابتعاد ولو قليلا عن صخب الحياة وضجيج المجتمع، هي وسيلة لإعادة التركيز والانطلاق من جديد بعزيمة وإرادة أكبر.

ربما تكون الخلوة مخاضا لولادتك من جديد، ملجأ آمنا وصدرا دافئا تفر إليه من غربة نفسك ووحشة العالم، قد تخرج منها برسائل إيجابية تحمل الخير للعباد والبلاد، هي ليست ابتعادا عن الناس وتقوقعا على الذات بصفة مطلقة، بل وقاية من سفاسف الأمور وتوافه الكلام ومجالس الغيبة والنميمة، وأمراض النفس وشوائب الروح. أذكر لكم هنا مقولة جميلة لمصطفى محمود حيث قال: “ربما قد تأتي لحظة الخلوة في العمر مرة، لكن يكون أثرها وقيمتها على العمر كله، فهي بالنسبة للإنسان طوق نجاة وقارب إنقاذ”.

مقالات مرتبطة

الخلوة شكل من أشكال الحديث مع الذات الذي لا إسهاب فيه ولا إطناب مهما أكثرت، هي مجلس تتبادل فيه أطراف الحديث مع نفسك، تسبر أغوارها، تغوص في ثنايا روحك، تلملم شتاتك، تنقح أفكارك، تقوي نقاط ضعفك، تصحح مسارك، تراجع خطواتك، تواجه بها مخاوفك، تحسن علاقتك مع ربك فقد شغلتنا الماديات وألهتنا عن الوجهة الحقيقية، تطرح أسئلة على ذاتك، تشخصها، تحللها، ثم تحاول الإجابة عنها:

من أنت؟ ماذا حققت؟ ما هي طموحاتك؟ ما هي أهدافك للسنة المقبلة؟ ما هي رؤيتك المستقبلية، رسالتك في الحياة؟ خطتك الاستراتيجية؟ كيف وأين ترى نفسك بعد الخمس سنوات المقبلة؟

هي كلها أسئلة تستوجب منك الفطنة للإجابة عنها، ولعل قضاء الوقت بمفردنا مفتاح للدخول إلى أعماق ذواتنا للتعرف عليها والتواصل معها والاستماع لها للإجابة عن هذه الأسئلة.

لذا خذ نفسا عميقا، أمسك قلما وورقة وخط عليها ما يدور بمخيلتك، ارسم طريقك لتترك بصمتك، أيقظ مواهبك واستخلص تطلعاتك، دوّن كل شيء: خططك، أهدافك، رؤيتك، رسالتك…ابتعد عن المثبطين، واترك المتقاعسين، والزم المبدعين والملهمين.

هي حياة واحدة ستعيش، لذا أقبِل عليها بكُلّ جدّ واجتهاد، قدِّر ذاتك واعرف نفسك، أعطاك الله شخصية مميزة عن الآخرين، لست نسخة من أحد، فلا تقارن نفسك بغيرك، لك قدرات مختلفة عنهم، غذّ عقلك، وأبحر في عالم العلم والمعرفة. لا تحرم نفسك من الارتقاء نحو المعالي، وشمّر على يديك، وتسلّح بالعزيمة والزم طريق المثابرة والكفاح. لا شيء سهل المنال في هذه الحياة، كلّ بثمنه، والثمن الأكبر للسلعة الأغلى والأعلى قدرا، وهكذا دواليك. طوّر ذاتك باستمرار، وارق بمستواك وارتق بأفكارك، فنجاحك في الحياة يقتضي نجاحك في إدارة ذاتك أوّلا.

وأخيرا، لا تنس أن الخلوة ضرورية لك لكثرة فوائدها، اجعلها منهجاَ لحياتك، تلوذ إليها بين الفينة والأخرى، فهي لا شك ستعود عليك بالنفع والفائدة على نفسك وذاتك وحياتك كلها.

1xbet casino siteleri bahis siteleri