أباكرا يا أمي سأذهب من هذه الحياة ؟

لطالما رغبت في مساعدة الآخرين ولطالما استهواني العمل التطوعي منذ صغري ، بيد أنني و لعامل الوقت وضغوط الدراسة لم تتح لي الفرصة القيام بالأعمال التطوعية إلا في مناسبات قليلة، لأنتقل بعد ذلك بسبب العمل للعيش في مدينة أخرى، لأجد نفسي بعيدة عن عائلتي و بفائض من الوقت الفارغ ليس بالهين لتضييعه فقط على وسائل التواصل الاجتماعي.

فكرت حينها في شيء لأملأ به وقتي، فلم يتبادر لذهني إلا العمل الجمعوي الذي استهواني منذ الصغر.في تلكم الأيام كان قد أعلن عن مباراة لتوظيف متطوعين في جمعية لالا سلمى لمحاربة السرطان، تقدمت لمباراة فكنت من المتطوعين الذين تم انتقائهم، وكان ذلك أول عهدي بمعرفة مرض السرطان عن قرب ومعاناة مرضاه التي تتضاعف مئات المرات عندما يكون المريض طفلا بريئا لم يفهم بعد تعقيدات هذه الحياة ولم يستوعب بعد لماذا هو نائم في المستشفى بينما أصدقائه في المدرسة.

الأطفال مرضى السرطان ملائكة تربط العالمين، تعيش ألم العالم الدنيوي ولكن أرواحهم من الجنة، تراهم يضحكون ويبتسمون، كان تلك الأجساد التي انتفضت خلاياها ضدهم ليست منهم.
لطالما استمدت منهم القوة، اتي الى المركز وكلي هموم، وبمجرد رؤيتهم اقول لنفسي اي هموم تلك يا هاته عقدت من أجلها حاجبيك؟ المعافاة سيدة النعم قلما نراها ونحس بقيمتها إلا عند فقدانها .

مقالات مرتبطة

كنت في كل مرة ارى الكثير من الأحداث التي تغرس في قلبي الكثير من الألم، لكن من اكتر المشاهد التي أثرت في هي عند سماعي لصرخة من أم مكلومة بفقدان فلذة كبدها ذات الثانية عشرة ربيعا بعد أن كانت تمني نفسها بعمر وإن لم يكن بالمديد، فعلى الاقل الى ان تشبع نفسها منها، وهذا ما كانت تشير إليه التقارير الطبية، إلا أن القدر شاء أن تلتحق تلك الروح البريئة بعالم الملائكة حيث تنتمي.
استقبلت تلك الصرخة بهلع شديد فتلك الفتاة لاعبتها الى وقت قريب، فكأن سكين اخترق قلبي فشقه الى نصفين.
نظرت الى امهات الاطفال المعتكفات بجانب أطفالهن، رأيت رعشة في وجه كل واحدة،رعشة الخوف من الفقد. فبالرغم من علمهن المسبق بخطر المرض ووضعية أبنائهم لكن الأمل هو العروة الوثقى التي يتشبتن بها، إحدى الأمهات انزوت إلى ركن من أركان الغرفة، حاولت إخفاء وجهها قدر المستطاع إلا أن نحيبها والشهيق الصادر منها فضح بكاءها، و حاولت الأخريات تهدئتها إلا أن كل من تقترب منها لا تعود الا ودمعة الألم في عينيها، دمعة خوف الام على ابنها.

حين يمرض الطفل تحس امه بألمه مرتين، لطالما قالوا لنا ان قلب الأب قوي، لكنني في ذلك اليوم تأكدت من عدم صحة الامر، رايت انكسار الاباء ايضا، رايت نظرة خجل لأبنائهم لأنهم لم يستطيعوا منع المرض عنهم.
حمل اب الفتاة جثة طفلته بين ذراعيه وضمها الى صدره وضغط عليها بشدة، كأنه يعيد جزءا من جسمه إلى مكانه، ثم شهق شهقة دمعت لها أعين الحاضرين.
أخذوا جثة الفتاة للمستشفى ليكشف عنها الطبيب لآخر مرة، ليكشف على جسد تعب من معاينات الاطباء و من الم الإبر والحقن، أخدو ترخيص الدفن واختفوا عن الأنظار.

لا زالت الدهشة على وجوه المحيطين، استلزم الأمر ساعة لينسوا المشهد، وساعة اخرى لتعود البسمة لوجوه الأطفال… في لحظات قليلة فهمت حقا ان الحياة لا تساوي شيئا.
بعد لحظات هدأ المكان، وعادت البسمة شيئا فشيئا للوجوه حتى نسي الجميع الحدث. هنا تأكدت ان الموت ضيف مستمر في هذا المكان لذلك لا يخلف وراءه حديثا طويلا.

جلت بنظري في أنحاء الغرفة فاثارتني نظرة حانية من طفل مصاب لوالدته ، قلبت كياني… كانت نظرة حيرة وتساؤل، نظرة تقول الكثير عن تشبث برعم صغير بالحياة، وتساؤل عن مصيره بسبب هذا الورم الخبيث الذي ينهش جسده، كأنني اسمع صدى أفكاره يصرخ عاليا : أباكرا يا أمي سأذهب من هذه الحياة ؟ اليس لي فرصة أخرى ؟ تهمس الام في أذن ابنها باغنية تنسيه الامه، وتمسح بيدها على ظهره رافعة اعينها تبتهل الشافي أن يعافي فلذة كبدها شفاءا لا يغادر سقما.

1xbet casino siteleri bahis siteleri