نظرية التعلق:

 

كثيرة هي الروابط التي يعقدها المرء مع بني جنسه، ومتنوعة علاقاته التي يقيمها مع الآخرين. وقل ما يتذكر الفرد اللقاء الأول الذي جمعه مع غيره وكان سببا للتعرف عليه ومواصلة الحديث والتعامل معه. المهم في كل هذا أن التعلق بالغير، أو الاجتماع البشري، بلغة ابن خلدون، ضروري، ولا أعرف، في ما اطلعت عليه، فيلسوفا أو مفكرا فصل الحديث في طبيعة هذه التعلقات ” العلاقات” التي تنسج بين البشر. في هذه الأسطر سأحاول عرض خمسة أنواع من الروابط المنتشرة بين الناس:

أولها: التملق.
الناظر إلى الاجتماع البشري، لن يفوته لمح بعض الأشخاص الذين يتخذون من التملق سبيلا لبلوغ غاياتهم، وهذا الصنف من العلاقات معلوم لدى الناس، ومذموم صاحبه، ولكن في نفس الوقت أثبت الواقع الاجتماعي فعاليته، إذ ينجح المتملق في بلوغ مناصب لا يستحقها أبدا على حساب المجتهدين المكدين. إن التملق هو التذلل التام والخضوع الكلي للشخص لخدمة الآخر طمعا في الحصول على بعض الأشياء، وتحقيق أهداف محددة، لذلك تجد هذا الصنف من التعلقات مستشري في المجتمع، وهو المدخل الأساسي للمحسوبية والزبونية.

مقالات مرتبطة

ثانيها: التسلق.
يختلف التسلق عن التملق في الدرجة فقط، إذ كلاهما يستهدفان تحقيق المنفعة، غير أن الشخص المتسلق تجد لديه كفاءات مهمة ( علمية وعملية) يوظفها بشكل ذكي وماكر قصد تحقيق أهدافه، إنه شخص لا يعقد العلاقات في سبيل الإنسان أو مع من كان، إنه شخص ينتقي بشكل شديد ودقيق الأفراد الذين سيحولهم إلى سلم يتسلقه لبلوغ أهدافه، وما أن يصعد ويصل هدفه حتى يلقي بالفرد السلم وينساه. من ثمة فهو لا يعطي إلا إذا أخذ أو أنه يعلم مسبقا بأنه سيأخذ.
ثالثها: التخلق.
إن الأصل في العلاقات هو التعاون والتآزر والتفاهم، أي أن الأصل في الاجتماع البشري هو الأخلاق. ومن هنا فإن تعلق التخلق مغاير، بل متناقض تماما مع تعلق التملق والتسلق، لأن ناهج التخلق يؤمن بكرامة الإنسان وقيمته وحريته و عقله. وقد تحدث عن هذا الصنف من العلاقة بشكل كبير الفيلسوف اليوناني أرسطو وسماها بصداقة الفضيلة، باعتبارها علاقة قائمة على محبة الخير لذاته والاحترام المتبادل بين الأشخاص في السر والعلن والفرح والترح والقرح والمرح. إن هذا النموذج غال وعزيز، إذ نادرا ما تصادفه في المجتمع الذي تنصل عن كل ما يمت للأخلاق بصلة.


رابعها: التغلق.
نلحظ بشكل واضح تفشي تعلق التغلق، ومضمونه انعزال الفرد عن الآخرين وتفضيله الوحدانية على الجمعانية. ولهذا النوع عدة أسباب، غالبا ما ترتبط بالثقة، إما زيادة حيث يتوهم الفرد بقدرته على بلوغ غاياته دون مساعدة من الغير، أو نقصانا بحيث يعتقد صاحب التغلق بأنه ليس في مستوى الأقران الذي يجعله كفؤا لهم وندا لهم، ناهيك عن التأثير اللامحدود للتقنيات الحديثة التي حولت الناس من حيث يعون أو لا يعون إلى كائنات منغلقة على ذاتها، وفي أحسن الأحوال، أو ربما أسوأ الأحوال، إلى كائنات منفتحة فقط على العالم الافتراضي.

خامسها: التفلق.
ثمة نوع من الأشخاص لا يستقيم له عقد علاقات سليمة مع الآخرين، لذلك نسمي هذا الصنف بالتفلق، الذي يحيل إلى الانفصال والانقطاع، فهذا التعلق مشروخ يخترقه الصراع والشجار إلى حد العنف، وصاحبه يستحيل عليه أن يجد رفيقا حتى من جنسه، والغريب أن المتملق يصاحب المتملق، والمتسلق يصاحب المتسلق، والمتخلق يصاحب المتخلق، وأيضا المتغلق قد يميل إلى المتغلق ويصاحبه، لكن أبدا لا يمكن للمتفلق الباحث عن المشاكل أن يصاحب المتفلق، وإذا حدث فحدث ولا حرج بما سيحدث.
تلكم إذن نظرية التعلق التي تتضمن خمسة أنواع من التعلقات الموجودة واقعا في المجتمع، فكن على وعي بها واختر لنفسك نموذجا منها والسلام على الناس المتخلقين.

1xbet casino siteleri bahis siteleri