من سيقرأ عنوان هذا المقال، سيتبادر إلى ذهنه بأنني سأتطرق في هذه الأسطر عن شهر رمضان الأبرك، الذي وصفة ألحق سبحانه في كتابه العزيز بأيام معدودات، لكني في الحقيقة سأستنبط من شهر رمضان هذا الوصف، محاولة استعماله في سياق ٱخر، رامية إلى أن أمرر بعض الأفكار التي تجول في خاطري، لنفسي أولاً، ولكل من سيتفضل بقراءة ما سأكتبه.
أيام معدودات، كل أيامنا معدودة، محدودة بمدة زمنية، بأجل محدد، كتب لكل واحد منا على اللوح المحفوظ. هي أيام تبدأ في الانسياب بشكل عكسي، منذ أن نخرج من رحم أمهاتنا، بصرختنا تلك التي توحي إلينا بأن جئنا إلى الحياة وبأننا على قيد الحياة.
يبدأ العد العكسي، نمر عبر مراحل، نكبر ونعي أنه كما جئنا إلى هذه الدنيا في أحد الأيام، سنغادرها حتماً في يوم ٱخر، وبين اليوم الأول واليوم الأخير، هنالك الحياة، حياتنا التي نعيشها بناءً على اختياراتنا وإرادتنا.
اطإنها أيام معدودات لنا على هذه الأرض، وعندما وصف الله عز وجل شهر رمضان بأنه أيام معدودات، فقد وصفه ليبين لنا مدة الصيام، المدة التي يتضاعف فيها الأجر، ويصبح التسابق والتنافس على فعل الخير هدف الإنسان الصائم.
ولا ضير أن نقر بما نشهده من سلوكيات المجتمعات التي تتغير ولو بشكل نسبي خلال شهر رمضان. وهذا يبقى نوعاً من البشرى وصمام أمان في ظل ما تعيشه المجتمعات العربية والإسلامية من تخلف وتهاون.
أيام معدودات، يحاول الناس خلالها تحسين وتغيير ما يستطيعون. لكن، أو ليست حياتنا كلها أيام معدودة، فلماذا إذاً لا نحاول أن نعيش ونتعايش بنفس الروحانيات الرمضانية؟ لماذا لا نحاول أن نجعل كل أشهر السنه رمضاناً؟ نجاهد أنفسنا، نحارب من أجل إصلاح ذواتنا، حتى يصلح مجتمعنا، الذي هو منا وإلينا، والذي هو في أمس الحاجات إلى ذوات صالحة مصلحة، تتطلع إلى أن تخرج إلى الوجود أمة قيل فيه خير أمة أخرجت للناس.
أجل، خير أمة أخرجت للناس، إنه قول الحق سبحانه، لكن هذا الوصف الجميل، الذي يفرح القلب لن يتأتى لنا ونحن نكتفي فقط بانتظار المعجزات، انتظار أن تمطر سماؤنا ذهباً. لا، لن يتأت لنا، إن لم نجد ونجتهد، إن لم نستوعب جيداً معنى أن مرورنا في هذه الدنيا عبارة عن رحلة ستنتهي لا محالة، عبارة عن أيام معدودة، إن ذهب يوم، ذهب بعضنا، إن لم نستوعب معنى الوقت، إن لم نعمل العقل، فلن يتأت لنا ذلك الوصف. فأرض الله لا يرثها إلا عباده الصالحون، والإصلاح جزء من الصلاح.
