يوم عيد الميلاد، وماذا بعد؟

وجودنا على هذه الحياة ليس صدفة بل لفائدة معينة وهدف محدد، نعيش كل يوم من أجل تغيير واقعنا والوصول به إلى بر الأمان. لكن الوصول يتطلب منا المرور بمجموعة من المحطات، والتجارب والظروف التي تعلمنا شيئا يفيدنا وينفعنا لمواجهة التحديات التي تواجهنا خلال الرحلة. ولعل أهم المحطات التي يمر منها الإنسان ووجب عليه أن يستخلص منها المعاني؛ هي يوم عيد ميلاده. فجمالية هذا اليوم تكمن في قدرتنا على أن ندرك من خلاله معنى وجودنا. ففي الحقيقة يوم ميلاد الإنسان هو يوم عظيم، لكن الأعظم هو حين يكتشف سبب ولادته والغاية من وجوده.

من جهة أخرى، إن تقديس هذا اليوم، أي يوم عيد الميلاد، يجعلنا نغفل عن أهمية التعبير للطرف الآخر عن مشاعرنا وآمانينا تجاهه خلال باقي أيام السنة. فالكلمات المليئة بالحب والسعادة والخير لا يجب أن تكون حاضرة بقوة في هذا اليوم وغائبة في باقي أيام السنة. ثم إننا نتلقى رسائل لا تعد ولا تحصى من كل صوب وحدب، من طرف أشخاص نعرفهم أشد المعرفة وآخرين لا نعرف سوى أسماءهم على أكثر تقدير، ولا تربطنا بهم أي علاقة. والغريب في هذا الأمر هو ذلك الشعور المزيف الذي نشعر به حينما نقرأ رسالة من أحد الأشخاص، يتمنى لنا فيها أفضل المتمنيات مستعملا أرقى عبارات الحب والسعادة. فقوة الكلمة تتجلى في كونها قادرة على جعلنا عاجزين أمام التمييز بين من أرسلوا لنا رسالة بحب وصدق وبين آخرين أرادوا فقط القيام بالواجب وجعلنا نعتقد أننا في مخيلتهم وداخل حساباتهم.

لكن ماذا لو استيقظنا في يوم عيد ميلادنا ووجدنا أننا لم نتلقّ أي رسالة من أي شخص، أليست هذه تجربة محبطة؟ فعلا، هي تجربة لا يحسد عليها أحد، لكن هذه التجربة يمكن أن تكون سببا في الدفع بنا لكي نعيد النظر في طريقة تفكيرنا.

مقالات مرتبطة

من وجهة نظري، ما إن يتقدم بنا العمر حتى نبدأ في التفكير بطريقة أخرى. فبدل ترقبنا لتلقي الكلمات الرنانة والمعسلة من طرف الآخرين نصبح في حاجة إلى أشياء أخرى أجدها أكثر أهمية، يمكن للٱخر أن يقدمها لنا.

فالمقصود من كلامي هذا أن أفضل وأثمن وأرقى ما يمكن أن يقدم أي فرد للطرف الآخر؛ هو الوقت والتضحية بدلا من كثرة التعاليم والكلمات. فلمَ هذان العنصران مهمان؟

أولا سأضرب لكم المثل بعلاقة الحب التي تجمع المرء بوالديه، فمن وجهة نظري، ذلك الحب الذي يكنه الفرد لوالديه نابع ومسقي بالوقت والتضحية؛ فقبل ولادتك أمضيت شهورا داخل رحم أمك الذي كان بمثابة عالمك الصغير، ثم بعد خروجك إلى العالم الأكبر تبدأ تضحيات ذلك الأب المسكين الذي يحرص على راحتك وطعامك وملبسك ومسكنك. فهنا نكتشف أنه لولا ذلك الوقت والتضحية من طرف والديك لما عرفت حياتك معنى، ولما صرت ما أنت عليه اليوم. فكما يقال: “لا توجد حياة بدون حب ولا يوجد حب بدون تضحية ولا توجد تضحية بدون ألم”، فذلك الألم الذي يشعر به والداك هو بعينه سبب لتقوية حبِك لهم. فالمراد من ذكر ما سبق هو أنني أرى أن أفضل ما يمكن أن يقدم الإنسان لأخيه الإنسان في مثل هذا اليوم المجيد بدل الهدايا والكلمات التي – أحيانا- لا تسمن ولا تغني من جوع هو الوقت والكثير من التضحية. لأن بواسطة هذين العاملين تتطور العلاقات وينشر الحب بين الأفراد، ويظهر المعدن الأصلي لكل واحد منا.

في الختام، تذكر أنه تفت فؤادك الأيام فتا، وكما قال الحسن البصري: “إنما أنت أيام كلما ذهب يومك ذهب بعضك.” تمر سنوات الإنسان بسرعة، حتى أنه يكاد لا يدري كيف اشتعل رأسه شيبا، وهذا راجع لعدم جعل معنى في حياته. فذكرى يوم الميلاد ما هي إلا فرصة لمراجعة النفس وجعلها النسخة الأفضل لمواجهة تحديات الحياة بنفس جديد، وبعقلية جديدة، وبإصرار ليس كسابقه. ذكرى عيد يوم الميلاد هي أيضا فرصة لكي تطرح على نفسك سؤالا مهما ألا وهو: إلى متى سأستمر في تأجيل بداية العمل على أحلامي والتركيز على جعلها حقيقة؟

أخيرا ربما هذه هي الطريقة الصحيحة لتخليد والاحتفال بيوم يذكرك بقربك لمنيتك وإلى حتفك.

1xbet casino siteleri bahis siteleri