الفشل عبادة

هناك مجموعة من العقبات التي تحول دون تحقيق النجاح الذي ينشده الإنسان، والتي في نظري، تتعلق بطريقة التفكير والتعامل مع الأزمات. وهذا ما جعلني أتساءل: هل توجد طريقة للتغلب على هذه العقبات؟ بالتأكيد، عزيزي القارئ، توجد طريقة، بل عدة طرائق لتجاوز هذه العقبات، ولعلي سأحدثك في مقالي هذا عن واحدة منها، عشتها فبدت لي من أنجح وأنسب الوسائل للتعامل مع الانتكاسات، فتصحيح نظرتنا لمفهوم الفشل، يعد بداية الطريق نحو النجاح.

يعتبر حب النجاح والسعي له أمر طبيعي، جبلنا عليه كبشر، كما جبلنا في المقابل على رفض الفشل، إذ يولد فينا الفشل الهم وفقدان الثقة في أنفسنا، ومن ثم الدخول في دوامة الإحباط واليأس، فتكون نتيجة هذه الدوامة الاستسلام للفشل وقبوله كواقع لا يجد فيه المرء سبيلا إلا الانطفاء. النجاح والفشل، مفهومان مرتبطان ارتباطا وثيقا، بالنسبة لي، يشكلان زوجا متكاملا، لا يتحقق الأول إلا بوجود الثاني، إلا أن طبيعتنا البشرية المحبة لكل ما يلمع، تنكر هذه الحقيقة ويخال لنا أن لا دور يقوم به الفشل على مسرح النجاح.

يقوم النجاح الحقيقي على تقبل الفشل والتمعن في محاسنه الكثيرة، إن اعترف بها المرء أصبح شجاعا، لأنه عندئذ يصبح كمن يحارب عدوا يفوقه قوة وعتادا وكأنه يخوض معركة على أرض ملغمة، واحتمال النجاة عليها ضئيل، لكن هذا المحارب يتجاوز عدوه إيمانا وتمسكا بقضيته ألا وهي النجاح. وهكذا يكون من غير المنصف أن تنقم على الفشل، وهو الذي يجود علينا بفرص كثيرة من أجل معاودة النجاح.

إن فشلت، عزيزي القارئ، فهذه فرصتك للاتصال بنفسك والبحث في عللك والتنقيب عن جوهرك الحقيقي، هي فرصتك لكي توقد شعلة الصبر والعزيمة في فؤادك، فرصة ثمينة لتمرين عقلك على المقاومة وإبصار الخير في هالة الشر التي تحيط بك، متأملا في قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}  [البقرة: 216]. فتكون هذه الآية زاد لك وشحذ لهمتك لتنطلق في رحلة نجاح أخرى، مستثمرا ثمار فشلك بالتجربة الأولى، ثم يصبح فكرك ناضجا وتغدو أفكارك مهذبة.

إن كنت طيب النفس، فالفشل سيزيدك طيبة ورحمة وستصبح بطلا في قصة مفجوعين آخرين، لكن إن تخيل لك أن الفشل نهاية المشوار فإنك تضع بأيديك صخرة عتية أمام آمالك وتفتح لنفسك أبواب الركود، فإن بخلت عليك الحياة مرة، فأنت بالبؤس تبخل على نفسك ألف مرة.

دعني أريك النجاح الحقيقي في ضوء مختلف، بعيدا عن غبار المادية. إن صح التعبير، فإن النجاح نبتة تنمو في تربة العطاء والكدح والسعي الدائم. هو كالعبادة لا يجب أن يؤخذ على حرف، وإنما يبلغه المرء بالتنقيب والتعمق في آلاف المعاني. ولا يخفاك، عزيزي القارئ، أن نظرتك السوداوية للفشل، نابعة من القوالب التي يصيغها المجتمع لمفهوم النجاح والذي يجعلك تحصر إنجازاتك في كم من الأشياء التي تمتلكها وتحدد قيمتك بها. وتنسى بهذا أن قيمتك الحقيقية كإنسان، من إبداع الخالق، عظيمة، وقد وجدت لتبرزها ولتنفع بها غيرك. كل عثرة، تصبح نجاحا عندما نستغلها ونصنع منها تجربة ثمينة.

إن تأملت جيدا مفهوم الفشل، ونظرت إليه بعين الامتنان بدلا من الإثم، فإن وجهة نظرك للنجاح أيضا ستتغير، ولن تحصره في معان سطحية، وإنما ستركز على الاحتفاء بكل خطوة في رحلتك، وفي كل محطة، ستشعر أنك اعتليت عرش النجاح.

إنك، عزيزي القارئ، شخص ناجح. أتتساءل كيف؟ إنك ناجح في كل مرة حاولت أن تحمي صفو نفسك، حينما تمردت على عيائك وعلى ظروفك وتخبطت في الوحل، جاهدا بلوغ السطح الخصب الذي يليق بك. إنك ناجح، حينما تمد يد اللطف والود لغيرك، حينما ترفض القاع وتتوق صنع أفضل نسخة من نفسك، فتصير آنذاك كما قال المنفلوطي: “كحب الزهرة الذابلة للقطرة الهاطلة”. النجاح يسكن في الخير الذي نصنعه كل يوم؛ ببسمة نرسمها أو دمعة نمسحها أو شوكة نسلها برأفة، عن قلب مكسور. فأدر لحاظك في محاسن الفشل، واحرص، عزيزي القارئ، على الكفر باليأس واعتنق دين الأمل والعمل، وتذكر أنك عظيم، عظيم جدا ما دمت تسقط وتعتزم النهوض.

1xbet casino siteleri bahis siteleri