نكاد ننتحر…لكننا سنقاوم!

تمر علينا لحظات نكاد ننتحر فيها جراء ما كابدناه في هذه الحياة وكمية المرارة الهائلة التي تذوقناها على فترات متقاربة، ومن كثرة البؤس الذي اجتاح جميع الأمكنة والواقع الذي يصفعنا في كل مرة بصفعات متفاوتة القوة، والحزن الذي نهش ثنايا أجسادنا، لم يتبقَّ منها سوى السراب والهم الذي جثم على صدورنا، وأسكن الدمع في مقلتينا حتى تآكلت من كثرة ذرفها بغزارة.

فِعلا، تشعرنا الحياة أحيانا أننا غير مرحب بنا داخل رحابها وأنه يستوجب علينا المغادرة في أقرب وقت ممكن، وإلا ستستمر ضرباتها ولكماتها العنيفة وسيقضى علينا حينها بكل سهولة ويسر، وسنطرد منها شر طردة لأننا بتنا ضيوفا غير مرحب بهم، ومكوثنا فيها يزيد الطين بلة ويثقل الكاهل، وكأنها تحملنا على جفونها الرقيقة ونحن أصحاب الوزن الثقيل من شدة التهام كميات لا يستهان بها من الهم والحزن والانكسارات المتكررة.

نعم، لقد تحطمنا وأضحينا نستثقل الخطى فتجدنا بالكاد نستطيع التنفس. لقد تحولنا لجثث هامدة لأجساد محطمة لم يتبقَّ منها سوى بقايا أشلاء.

إن الأمر خارج عن إرادتنا، ليس بيدينا أن نمنع كل هذا صدقا، لقد تحملنا كثيرا وواجهنا أعداء كثر من قبيل اليأس، وإحساس الاستسلام والانهزام في منتصف المعركة، ولكنهم في الأخير -مع أننا تجهزنا جيدا وحملنا ما يكفي من العدة والعتاد- قضوا علينا بكل برود وأمام أنظار الجميع؛ فسحائب اليأس لفت أرواحنا وتخللت في ثنايا ضلوعنا وسممت أجسامنا، وها نحن نموت ببطئ بمفعول السم الذي يسري في الجسد ويقتل كل شيء فيه، وبفعل ما تلقنياه سابقا من ضربات ومسدسات الحزن الذي ما استطاع أن يفترق عنا ويتركنا في حالنا، على ما يبدو، قد أعجبته زيارتنا في كل وقت وحين واختار المكوث معنا لأبد الآبدين.

ولكن…ولكن نعود ونقول في قرارة أنفسنا: ثم ماذا بعد؟ ماذا لو متنا وقضي علينا؟ ماذا لو سلمنا أنفسنا لقنابل الهم والغم لتفتك بنا وتغرس في عمق قلوبنا وتكون على أهبة الاستعداد لتنفجر في أية لحظة؟ هل سنرتاح حينها من ضيم وأكدار هذه الحياة البائسة؟ هل سنجد ضالتنا ونعيش سعداء؟

مؤكد أننا إن استسلمنا وسلمنا أنفسنا لنهر اليأس سيجرفنا إلى الهاوية وسيكون العذاب مضاعفا وسنشقى أكثر وأكثر مما كنا عليه، فنحن نطمح لنعوض عن كل هذا العذاب الذي كابدناه، وننعم في رغيد الجنة آمنين مطمئنين، ولا نريد أن نشقى أكثر ويكون مصيرنا نار جهنم، فعلا إن لهيبها لا يطاق، وبالتالي سنختار جحيم الحياة على جحيم الآخرة، سنختار العيش داخل دهاليز هذه الدنيا التي أدارت لنا ظهرها ولم تأبه بحالتنا المزرية، ولا حتى بوضعنا الذي يدمي القلب ويحبس الأنفاس من شدة السوء الذي قبعنا فيه.

نعم، إن طريق الاستسلام ووضع حد لهذه المهزلة المسماة بالحياة أعسر وأطول، بل وقد يطول لأبد الآبدين، أما طريق الصبر والتحمل وكذا شحذ الهمم أيسر وأقصر، ومن ثم، رغم كل المرارة التي تملؤنا، ورغم البؤس الذي يحيط بنا من كل جانب سنقاوم حتى آخر نفس، حتى لا يبقى فينا ولو جزء واحد سليم سنحيا على أمل أن الوضع سيتغير يوما ما، وسنغمر أفئدتنا بالإيمان بالله تعالى، وبأن اليسر يأتي مع العسر، وأن الشدة يعقبها فرج والفجر لا بد تسبقه ظلمة شديدة، والحبل ينقطع بعد أن يشتد أكثر فأكثر.

علينا أن نقدر قيمة الحياة ولو كنا في أحلك الظلمات، ولو ضاقت علينا الدنيا بما رحبت؛ لأنها هكذا خلقت بتعب وحزن وهم وغم. لذا، علينا أن نعقل جيدا وأن نعي أن العوض على الله، وأننا سنكافأ على صبرنا وعلى كل الشدائد التي مرت علينا وسنغدو بإذن الله أكثر قوة وأكثر عزما.

1xbet casino siteleri bahis siteleri