حياة المتاهة ..أين الخروج ؟

قد يكون ما يتشارك فيه الكل هو صرخة الولادة .. تلك الصرخة التي تعلن صعود فرد جديد على خشبة الحياة دون أن يدري ما قد يستغرقه دوره فوقها من زمن ، و لا ما دوره أساسا ليبدأ رحلة استقراء ماحوله عله يسطلي فيهتدي إلى غاية وجوده و كذلك حالنا جميعا .
إلا أنه في خضم هاته الرحلة ،نعيش -ككثير ممن وصلت بهم السنين إلى الشباب- حياة أقرب ما تكون إلى متاهة ! بين لهو و لعب و تمضية أوقات هنا و هناك ثم لئن سألنا أحدهم عن هدفه الأسمى ليقولن لا أدري بعد ! و هو غافل أو يتغافل أن السنين هي التي تعرف جيدا بأي سرعة تمر و تنتقص من قوته شيئا فشيئا .




تمر علينا تجارب و مواقف لا نستشعر قيمتها إلا بعد حين إن استشعرناها فعلا . و لعل لحظات التيه هاته لا يكاد يخلو منها يوم ،نعيشها بينما نحن نستقل حافلة و نسرح بنظرنا عبر زجاجها فيتراءى لنا العالم متحركا و نحن ساكنين ، نعيشها حين يغلب علينا الإرهاق فنرتمي في الفراش مغمضين و لا يبقى في آذاننا غير صوت الضمائر و الأطراف المرهقة ، نعيشها حين يغادرنا الأحبة فتنهال دموعنا غير مستأذنة ..بل و نحس بها حتى بين الحشود حين تغلب الوحدة أرواحنا و تنفذ إليها شظايا الاغتراب
آنذاك نفقد البوصلة و لا ندري ألكل هذا نعيش و نحيا !*


و لا يسعفنا سوى أياد حانية تأخذ بنا أو بقايا نفس و ضمير تجاهد لتهدينا السبيل . هنا نحتاج لقوة فينا نجليها لذاك الوقت ..قوة نفس يكون منبعها راسخا و سيلها جارفا تأخد بنا بين سراديب متاهتنا و تقف عند كل مفترق طرق لتسأل من أين و إلى أين ثم تلقي تنهيدة عميقة تحدد اتجاهها و سواء أخطأت أو أصابت في إيجاد سبيل الخروج ففي كل عبرة ! ما إن تزل حتى تجبر على إعادة الاختيار فتصقل بذلك همتها و إن أصابت تكون قد سابقت عقارب الزمن لتصل إلى منفذ لها من هاته المتاهة هو في حد ذاته مدخل لها إلى تلك الحياة المنشودة .. تلك التي تظل أفكارنا تتجاذب تفاصيلها حسب ما تشتهيه الأنفس و تود الأعين أن تقر به و نكون قد سلكنا إليها السبيل ما أن نكون قد حددنا طموحات تستحق أن نفني في سبيلها ما تجود به علينا ساعة الخشبة من زمن و قوة فنستبدل بها كل غال ، و لأهميتها هاته ، تفرق الطموحات و المتمنيات السبل بأصحابها و تفصل بين جمعين ، أولهما من يرى في الاستقرار الكلي ضالته فيكد ليقتنص عملا قارا و يظفر ببيت يأويه في سلام ليمضي أيامه بين كؤوس قهوة يرتشفها سادية و يستلذ بمرارتها قبل أن ينطلق إلى شغل يعود منه مرهقا لا يلوي على شيء سوى نوم هانئ و يظل ذلك حاله غالب الأيام إلا قليلا لكنه يجد في روتينه لحنا قد لا يستمع إليه من حوله و يقتسم نوتاته مع شابة رأت هي الأخرى في زواجها استقرارا و اطمئنان بيتها هدفا فتجد في تزيينه يمينا و يسارا بلا كلل و لا ملل لتنظر إليه نهاية النهار بفخر و تبرمج شيئا تضيفه في الغد .أما الجمع الثاني فينسب إليه كل من حمل مشعل اللانمطية و اتخذ من الترحال طريقة عيش و أعطى لحياته بعدا يتجاوز النفس إلى الغير فيدفعه فضوله لسؤال الناس و البحث في أفكارهم سواء أكانوا ممن يتشارك معهم شغف رحلاته أو فقط ممن تقاطعت دروبهم مع إحدى محطاته في طرف قصي من الأرض و بين هؤلاء و أولئك لابد من صلة وصل لتستمر عجلة البشرية بالدوران و هاته الصلة ما كان لها أن تتجلى إلا في فئة ثالثة ممن لم يحددوا بعد ما يستهويهم فتارة هنا و تارة هناك .



مقالات مرتبطة

و عن توزيع الشباب إلى هاته الأصناف الثلاث ، أصدق ما قد يجود بأمثلة هي جولة تحت المطر ما أن تسدل خيوطه ستارها بين الأرض و السماء حيث نجدهم يتوزعون تحته ،كل على شاكلته ، فللصنف الأول تنتمي فتاة يانعة ساخطة الملامح قد اتى المطر على ملابسها الانيقة و خدش سحر تسريحة شعرها لتسأل أحد المارة العون لتعبر بركة ماء صغيرة فيدل حالها على أن سعادة مثيلاتها عبارة عن حياة رتيبة لا يعكر صفوها طقس و لا آدمي فهي بذلك سعادة وهاجة لا ينبغي ان تخفت و الا قامت و لم تقعد ، و بعدها بامتار ، ربما اطول ، قد يلمح على إحدى الكراسي الجانبية المغطاة شاب و فتاة يخيل لكل من رآهما انهما في عالم آخر لا يكادان يأبهان لمن يتسكع بالجوار فطموحهما هو الا قرب و أنس و صوت قطرات و ليذهب ما عداهم الى الجحيم و سعادتهما زهرية اللون فاتنة المظهر و صافية الكنه .و دائما في ظل الجو الماطر إن هبت ريح عليلة فقد تحمل معها صفحة ممزقة من إحدى المجلات تضم صورة رحالة بصحبة رفيقة دربه على إحدى الطرقات بدون لوحة تحدد وجهتهما فيكون أول ما يتبادر إلى الذهن أن لله درهما !..لكأن هذه الصورة لوحة ضربت بعرض الحائط كل أنواع الطموحات السالفة الذكر لتصدع ،بدلا من صنف اللانمطيين ،بأن السعادة ماهي الا حذاء مريح في المشي و صحبة تتكئ على كتفها ان تعبت و ما بقي فشساعة الكون تكفيه ،و يضاف إليهما من سعادته تتلون بالابيض و الاسود و تتارجح بين حبر اسود أشبه بستار يخفي وراءه الكثير و بين بياض ورق يتيح للولهان بالكتاب لحظة صفاء ذهني يجعله يترنح بين صفحة و أخرى لتطبع كل كلمة على روحه بصمة ، أما أصحاب الصلة فأدهى من يمثلهم ذاك الشاب الذي يتلفت يمينا و يسارا اثناء تدخينه لسيجارة من المحتمل ان تكون رائحتها أبعدت تفكيره عن العديد من الامور و اباحت لنفسها ان تمنحه راحة معينة و تحمله إلى عوالم ما لغيره إليها من سبيل .
و هكذا يستمر كل فرد على الخشبة في نسج سيناريو دوره حتى يحين موعد نزوله من عليها ليصعد آخر و تتجدد الحكايات على اختلاف تفاصيلها و توحد غاياتها .



1xbet casino siteleri bahis siteleri