خذوا مشاعركم عنا ..

إن هناك خللا كبيرا في طريقة تواصلنا والتعبير عن مشاعرنا للآخرين، فإن كان بجانبنا أحد يبكي وتظهر على ملامحه آثار حزن عميق قلنا بتفانٍ .. هل أنت بخير ؟ وكأنه فقط يتدرب ليصور مشهدا دراميا ،أكيد أنه ليس بخير. أو أننا سنكلف أنفسنا ونطلب منه أن يكفّ عن البكاء وكأن الأوْلى له حينها أن يضحك أو يرقص الفلامينگو. و إن بلغنا نبأ وفاة أحد لا يقربنا ولا نراه وربما نسينا وجوده فنعبر ببالغ الحزن والأسى ونحن لا محزونون ولا متألّمون، وإن أردنا أن نبارك مناسبة أو عيدا نسخنا رسالة تهنئة مدسوسة بنفس الأخطاء اللغوية ومصرّفة بضمير “أنتم” وكأننا نلقي خطابا رسميا لنضغط على زرّ إرسالها لكل الأرقام بهاتفنا ،فنتنفّس الصعداء كعائد لتوّه من مهمّة قومية ،لتصبح طقوسا خالية من المشاعر ،والأحرى أن نتركها لأننا لن نؤٓدي عليها ضرائب فهي لا تحمل قيمة مضافة أصلا، أما أن تختمتها باسمك العائلي والشخصي فأنت من المغضوب عليهم. والمؤلم أن تقتصر الهدايا على مناسبات الميلاد أو ذكرى الزواج أو الفالنتاين وعيد الأم وكأن الحب حدث تنتهي صلاحيته فور انتهاء الأربع وعشرين ساعة .. ثم للذي يفهم أن الهدية مفتاح ٌللحب ، لماذا قد تكون الهدية دبدوبا أو عطرا يضاف إلى قائمة العبوات..! فمٓن علّمنا أن الهدية مفتاح القلوب “تهادوا تحابوا” قد علمنا فن الإهداء في مواقف عديدة والأَولى أن تغطي الهدية حاجة من حاجيات متلقيها. لا تحرق وقودك في تعلم اللغة والصرف والتحويل والخط وأنت لن تفلح في إنتاج مكتوب للبشرية تسكب فيه قليلا منك وتعبر فيه عن مشاعرك .

مقالات مرتبطة

وتوقف عن تذكر أصدقائك فقط حينما تنقل لهم عشرات الأسطر التي تختمها عبارة “انشرها وإلا فإن الشيطان منعك” والتي لم تكلف نفسك عناء قراءتها والتأكد ما إن كان الشيطان نفسه من أرسلها وقد انطلت عليك حيلته التسويقية فأنت حينها في عين العديدين بليد أمام هاتفك الذكي. لا تقل أنك لا تستطيع أن تعبر وليست بيدك وسائل ؛ يكفيك الصدق فروائع السمفونيات لبتهوفن ألفها بعدما فقد حاسة السمع كلياً. حاول فقط واجعل بينك وبين النفاق الاجتماعي أمتارا قياسية ولا تلتقي أحدٓهم وتعبر له عن كمِّ الامتنان والحب والإعجاب الذي تكن له, وفي غيابه أنت تلك التوابل التي تجعل لحمه لذيذا في مجمع من الفاشلين.. أنت لست بطلا حينها أنت فقط تتعرى من مصداقيتك. إننا لا نعبر بصدق حتى باتت تتأكسد دواخلنا.. ننطق عبارة “اشتقتك” كأننا نطلق رصاصة من مسدس كاتم الصوت لا يخطئ الهدف ولا يعطي مجالا للحياة .. نلفظ كلمة “أحبك” كأنها إفرازات من الكبد أو الطحال وليست نبض قلب .. نخبر الآخر أننا “فرحون لك” بإنجازاته وتألقه والصحيح أن الفرحة عندنا لا تتعدى حرف الميم من مصداقيتها . إن كنت لا تجيد التلفظ بكلمة أحبك لمحبوب يمكن أن تعود للوسيلة الأصيلة وتبعث رسالة ورقية تنافس فاتورة الماء والكهرباء في صندوق الرسائل بل ويكفي أن تأكل وجبته المفضلة بالنيابة عنه وتدرس لأجله “علامات الحب” لابن حزم لتكتسيها يوما ما. إياك فإياك أن تصاب بنوبة من التواضع إذا حصل وعبرت لأحدهم عن مشاعرك أو تعتقد أنك تنازلت أو انتقص شيء من كرامتك إذا ما اعتذرت وتأسفت على خطئك.. وصدق عناقك لأمك وتقبيلها لا يجعلك تقيم إنجازك كجندي من جنود المماليك عاد منتصرا من عين جالوت ..إنه ضرورة وجودية تحييك وتنعشك كحاجتك للأكل والنوم. جلنا لا يجيد مواساة الآخرين تعابيرنا فاشلة لا نستطيع حتى أن نقنع بها أنفسنا نأخذ ما أخبرونا به يوما في مواقف مماثلة نعيد توزيعه على من حولنا، عبارات لا زال فمنا يتهجّاها وضميرنا يستنكر منّا أننا حتى أنفسنا ما أحسسنا بها. نحتاج أن نعَبر حتى نرمم دواخل بعضنا البعض ولا نصير خردة تلفظنا ماكينة الوجود…نصدق المشاعر حتى لا نجلس ونسقي بدموع الندم باقة ورد اصطحبناها لزيارة قبر أحدهم فالموتى لا يهتمون

1xbet casino siteleri bahis siteleri