هل المراهقة مرحلة اضطراب نفسي؟

تتعدد وجهات النظر التي ترى أن المراهقة -هي دائمًا وغالبا- مرحلة اضطراب نفسي، هذه الصورة النمطية التي تصور المراهقة كمرحلة بشعة وصعبة بالنسبة للآباء والمراهقين على حد سواء جد منتشرة، مما جعلها حقيقة مسلما بها في الأوساط الاجتماعية، خاصة أن هناك عشرات الأفلام قدر ركزت وما زالت تركز على مأساة المراهقين الذين يعيشون فترتهم هذه وسط المشاكل، مروجين لصورة سوداوية حول سنوات المراهقة. بعض هذه الأفلام وكذا الروايات التي تطرقت لنفس الموضوع قد تصدر ضمن الأكثر شهرة ومبيعا.

هذا التصور ليس حديثا في مجتمعنا، بل متجذر منذ زمن؛ حيث رأت آنا فرويد –ابنة سيجموند فرويد– أن هذا الاضطراب الذي يمر منه الأطفال في مرحلة المراهقة هو أمر جد طبيعي، تقول: ’’أن يكون المرء طبيعيًا خلال فترة المراهقة أمر غير طبيعي في حد ذاته.‘‘ وذهبت إلى اعتبار المراهقين الذين لا يمرون بتلك الاضطرابات في فترة المراهقة معرضون بدرجة كبيرة لخطورة الإصابة بالمشكلات النفسية في سن الرشد.

أظهرت الأبحاث السيكولوجية أن الادعاء القائل بأن المراهقة هي فترة عواصف وتوترات بها جزء ضئيل من الصحة، هذا الجزء هو أحد الأسباب التي تقف وراء شهرة هذا الإدعاء. إن المراهقين معرضون بدرجة مرتفعة إلى حد ما لخطورة مواجهة صعاب تتعلق بالعلاقة مع الآباء والوسط الاجتماعي، لذا، من الصحيح أن فترة المراهقة تعرف صراعات نفسية محتدمة لدى البعض، إذ حسب منظمة الصحة العالمية من 10% إلى 20% من المراهقين فقط هم من يمرون باضطرابات نفسية ملحوظة، لكن اللأغلبية الساحقة يتمتعون بحالة مزاجية جيدة وعلاقات متوائمة مع آبائهم وأقرانهم.

فضلا عن ذلك، هذه الاضطرابات النفسية الملحوظة بشكل كبير والصراعات مع الآباء تقتصر بدرجة مهمة على المراهقين الذين يعانون في الأصل من مشكلات نفسية واضحة مثل الاكتئاب واضطراب السلوك.

قال عالم النفس جون إيبستاين الذي يعمل مع الأطفال والمراهقين منذ سنة 1974، بأنه لا توجد أسس قوية تؤيد الادعاء القائل بأن القلق الذي يصحب مرحلة المراهقة هو أمر طبيعي أو حتمي، بل على العكس من ذلك تماما، فحدوث هذه الاضطرابات هو الاستثناء بحد ذاته وليس القاعدة، وكل إهمال لهكذا اضطرابات واعتبارها طبيعية ومنسوبة لمرحلة المراهقة من شأنه أن يفاقم منها ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه في المستقبل.

وفي دراسة لأوفر ومساعديه سنة 2002 والتي تتبعت 73 مراهقًا من الذكور على مدار 34 عام، لم تجد أي دليل، ولو ضعيف، على أن المراهقين الذين يتكيفون بسهولة مع هذه الفترة يكونون معرضين لخطورة الإصابة بالمشكلات النفسية فيما بعد. كما أنه في اليابان يصف 80 إلى 90 % من المراهقين حياتهم الأسرية على أنها مرحة أو محببة، ويقولون إنهم يتمتعون بعلاقات جيدة مع آبائهم.

كما ذكرنا سابقا، فهذه الخرافة الناتجة بدرجة أولى عن تسليم عقولنا للإعلام والأفلام وما تحمله في لبها من المغالطات والادعاءات، التي يسعى مروجوها إلى الربح المادي فقط دون الاهتمام بإيجاد أدلة موضوعية على صدق ما يروجون له، الشيء الذي قد يسبب ضررا بالغا؛ إذ ربما يؤدي ذلك الاعتقاد إلى تجاهل بعض المشكلات الحقيقية التي يمر منها المراهقون، بوصفها مجرد مرحلة عابرة أو باعتبارها شيئا حتميا كما زعمت آنا فرويد وأنصارها، كما أن هذا الأمر من شأنه أن يسبب حالة من الانزعاج الشديد لدي المراهقين الذين لا يتلقون مساعدة نفسية في حين أنهم في أمس الحاجة لها.

وختاما، فإن المراهقة لا علاقة لها بحالة الاكتئاب أو الاضطرابات النفسية، هذه الأمور تحدث بسبب الضغوط التي يتعرض لها المراهقون في البيت أو المدرسة أو المجتمع بصفة عامة.

لذا، من الضروري أن نضع نصب أعيننا أن المراهق عندما يتعرض لاضطرابات وتوترات، فهذا لا يعني أن الأمر عادي وطبيعي مرتبط بمرحلة المراهقة، بل يجب أن يجرنا هذا إلى البحث عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الاضطرابات، كما لا بد أن ندرك أنهم في حاجة إلى دعم معنوي ووضع مشالكهم ضمن أولى اهتماماتنا.

1xbet casino siteleri bahis siteleri